بيغي ويتسون، رائدة فضاء متقاعدة من ناسا تطفو في قبة محطة الفضاء الدولية، وتظهر الكرة الأرضية من خلفها. (حقوق الصورة: © NASA)
“إن الحياة في العزلة ليست صعبة التحقيق، ولكن من المهم جدًا أن تكون قادرًا على التفاعل والتواصل بشكل جيد مع الأشخاص الذين تقيم معهم“.
تعيش في الوقت الحالي شريحة كبيرة من البشرية في عزلة تامة، وذلك بهدف “تسطيح المنحنى” وإبطاء انتشار فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة النوع 2 coronavirus SARS-CoV-2. ولكن، قد يكون من الصعب جداً التكيّف مع التباعد الاجتماعي والحجر الصحي، خاصة لأولئك الذين اعتادوا على التنقل والسفر والخروج مع الأصدقاء.
ولحسن الحظ، يتمتع رواد الفضاء بخبرة لا حصر لها في العزلة، وقد قام بعضهم بتقديم مشورتهم بناء على خبرتهم السابقة.
نصائح بيغي
WATCH: @AstroPeggy, one of the most successful astronauts in American history, shares her advice for staying in during the #coronavirus pandemic: “You have to be able to communicate effectively… that is the most important thing you have to be able to do.” pic.twitter.com/m3mzy0BOsE
— CBS This Morning (@CBSThisMorning) March 23, 2020
تقول بيغي ويتسون Peggy Whitson، رائدة فضاء متقاعدة من ناسا، والتي حطمت الرقم القياسي لإجمالي عدد الأيام التي قُضيّت في الفضاء عن أي رائد فضاء آخر بناسا، بواقع 665 يوماً، في مقابلة لبرنامج ذيس مورنينغ This Morning الذي تبثه قناة سي بي أس التلفزيونية CBS: “إن الحياة في العزلة ليست صعبة التحقيق، ولكن من المهم جدًا أن تكون قادرًا على التفاعل والتواصل بشكل جيد مع الأشخاص الذين تقيم معهم“.
ومضت تقارن بشكل تفصيلي بين أوضاعنا الحالية وأوضاع رواد الفضاء الذين يعيشون على متن محطة الفضاء الدولية، كما قامت بتقديم نصائح لمعالجة المشاكل التي تنشأ في تلك الأوضاع المعيشية المنعزلة.
تقول ويتسون:” يحاول عددٌ كبيرٌ من الأشخاص العمل من المنزل في الوقت الذي يسعون فيه إلى أداء دورهم كآباء وأمهات بوجود العائلة في المنزل، ولهذا يشكّل الأمر تحدّياً كبيراً. ولكن، يشبه ذلك ما قمنا به في محطة الفضاء الدولية، فقد أصبح طاقم العمل في المحطة عائلتنا في الفضاء ولم نكن نعمل معهم طيلة النهار فحسب، بل إننا بطبيعة الحال لم نكن لنتمكّن من الذهاب إلى منازلنا في الليل، فكان لزامًا علينا البقاء في المحطة والتفاعل معهم“.
ولتمهيد الطريق، يستعد رواد الفضاء مسبقاً للتعامل مع الضغط الناتج عن العلاقات الشخصية، إذ تقول: “ندرّب روّاد الفضاء على تطوير هذه المهارات لأننا نوّد أن يتآلف الجميع مع بعضهم البعض على متن المحطة الفضائية، حيث لا تسنح لك الفرصة لاختيار أعضاء الطاقم الذين تنطلق معهم إلى الفضاء ويتوجّب عليك التأقلم مع أيّ حالة والاستفادة منها إلى أقصى حد. علاوة على ذلك، فإن المخاطر بالطبع مرتفعة جدًا، إذ تعتمد حياتنا على بعضنا بعضًا وهذا أمر في غاية الأهمية“.
ولذلك، يطوّر رواد الفضاء ما يسمى بـ “مهارات الطاقم الاستطلاعية”، مثل أساليب العمل كفريق والحياة الجماعية، للتعامل مع هذه الظروف، وفقاً لما قالته ويتسون، وتضيف: “يجب أن تكون قادراً على التواصل بفعالية“.
وأضافت ويتسون أن العامل الرئيسي الذي يساعد رواد الفضاء على البقاء إيجابيين في بيئتهم هو وجود “هدف أعلى” أو مغزى أكبر لعملهم، في حين أن عمل رائد الفضاء يساعد في تعزيز المعرفة الإنسانية والاستكشاف العلمي، فإن تقيدنا الحالي في المنزل له هدفاً سامي أيضًا.
تقول ويتسون: “إن تقيدنا في المنازل بوجود فيروس كوفيد-19 Covid-19 يعطينا هدفاً أسمى لا يختلف عن هدف وجودنا في الفضاء، لأننا ننقذ أرواحًا من خلال بقائنا في الحجر. ولهذا، من المهمّ تفهّم هذا الهدف الأشمل وتبنّيه لكي يمدّكم بالسبب المنطقي للاستمرار بالتأقلم مع هذا الوضع“.
وأخيرًا، تقول ويتسون لأولئك الذين يشعرون بالملل أو القلق في المنزل، إنها عندما تكون على متن محطة الفضاء، فإنها تقوم بالعمل الإضافي الذي كانت تنوي القيام به. وتقترح أن يسأل الناس الملزمين بالبقاء في المنزل أنفسهم: “ما هي الأشياء التي كنت ستفعلها لو كان لديك المزيد من الوقت؟ هل تريد القراءة؟ أم ربما كتابة الشعر أو صنع الفن؟ ما هو الشيء الذي لطالما كنت تنوي فعله؟“.
نصيحة من سكوت
قدّم رائد فضاء ناسا السّابق سكوت كيلي Scott Kelly، الذي تصدر العناوين الرّئيسيّة جراء مشاركته في “الدراسة التوأمية” Twins Study بينما كان على متن المحطّة الفضائيّة في 2015 و2016، بعض النصائح حول العزلة في مقالة افتتاحية لصحيفة النيويورك تايمز The New York Times.
أشار كيلي بدايةً إلى أن جدوله الزمني الصارم الخاص برواد الفضاء (بالإضافة إلى الالتزام بموعد نوم ثابت) ساعد على إبقاءه متحفزاً، حيث يقول: “ستجد أن الحفاظ على خطة سيساعدك وعائلتك على التكيف مع بيئة العمل وبيئة الحياة المنزلية المختلفة” ويضيف: “لقد لاحظت عند عودتي إلى الأرض مدى اشتياقي لبنيتها ووجدت صعوبة في العيش بدونها“.
ومع ذلك يؤكد سكوت على ضرورة التأني وأخذ الأمور برويّه حتى لا تغرق بشكل كامل في عملك ومهامك، ويوضح قائلاً: “خصص بعض الوقت للأنشطة الممتعة: كنت التقي بأفراد الطاقم مساءاً لمشاهدة الأفلام، حيث كنا نتناول الوجبات الخفيفة ونشاهد جميع حلقات مسلسل صراع العروش Game of Thrones مرتين“.
وبالطبع، لم يكن يتسنى لكيلي الخروج لاستنشاق بعض الهواء النقي، وقال انه قد لاحظ الفرق بالفعل، إذ يقول: “بدأت بالتوق إلى الطبيعة لكوني محصورًا في مساحة صغيرة لعدة أشهر -اللون الأخضر، رائحة التراب المنعشة، الإحساس بأشعة الشمس الدافئة على وجهي. كما أوصى الناس بأن يجدوا طريقة للخروج إلى الهواء الطلق، والحصول على بعض الهواء النقي بقوله: “أُقدّر انه في محنتنا الحالية، يمكنني التنزه في أي وقت دون الحاجة إلى بذلة فضاء، إذ أظهرت الأبحاث أن قضاء الوقت في الطبيعة مفيد لصحتنا العقلية والجسدية، كما هو الحال مع التمارين الرياضية“.
وفي حديثه عن اقتراحات حول كيفية قضاء وقتك في العزلة، أوصى كيلي بممارسة الهوايات مثل القراءة، والعزف على الآلات الموسيقية، وصنع الفن وتسجيل اليوميات.
وأشار إلى الطريقة التي يبقى فيها رواد الفضاء على متن المحطة الفضائية على اتصال مع أصدقائهم وعائلاتهم على الأرض، وذلك من خلال مؤتمرات الفيديو، واقترح إجراء مكالمات مع الأصدقاء والعائلة للمحافظة على العلاقات التي تساعدنا في تخطي هذه المحنة بينما نبقى في أمان وعزلة جسدية.
كريس يعود من جديد
رائد الفضاء الكنديّ المتقاعد كريس هادفيلد Chris Hadfield ليس بغريباً عن فيديوهات الأنترنت، أظهر هادفيلد للعالم كيف يبدو العيش في الفضاء من خلال سلسلة من مقاطع الفيديو التي صنعها على متن محطة الفضاء، إذ شرح كيفية غسل يديك وتنظيف أسنانك، وحتى كيفية صنع طعام لذيذ أثناء تواجدك في الفضاء.
وها قد عاد من جديد، في يوم السّبت 21 آذار/ مارس، حيث قام بنشر مقطع فيديو بعنوان “دليل رائد فضاء إلى العزلة الذاتية” على صفحته الشخصية على موقع اليوتيوب، لمساعدة الناس في معرفة كيفية التعايش تحت ظل هذه الظروف الجديدة الناجمة عن تفشي الوباء.
يقول هادفيلد: “لقد أمضيت بعض الوقت عازلاً نفسي على متن سفينة فضائية، وكما تعلمون، فهي بيئة خطيرة للغاية، ومع ذلك، فقد وجدنا طريقة للمحافظة على تفاؤلنا وتحقيق أعلى الإنتاجية في ظل ظروف غير طبيعية“.
وشارك هادفيلد عملية مكونة من أربع خطوات، يتبعها رواد الفضاء للتعامل مع العزلة التي يواجهونها في محطة الفضاء، والتي يمكن للناس تطبيقها على حياتهم الآن.
أولاً، اقترح أن يقوم الناس ببعض الأبحاث، يقول كريس: “حاول أن تفهم المخاطر الفعلية، لا تكن خائفاً فحسب، ابحث عن مصادر موثوقة لمساعدتك على فهم المخاطر التي تواجهها أنت وعائلتك وأصدقائك والأشخاص الذين تهتم لأمرهم“.
ثانيًا، ألقِ نظرة على أهدافك، وأسأل نفسك: “ما الذي تحاول تحقيقه؟ ما هي أهدافك؟ ما هي مهمتك الآن؟“
ثالثًا، واجه القيود المفروضة على تلك الأهداف: “من يملي عليك ما تفعله؟ ما الموارد المالية المتوفرة لديك؟ ما هي واجباتك؟“
رابعاً، وأخيراً، يحث كريس الناس على التحرك لتحقيق تلك الأهداف، حيث يقول: “بمجرد أن تفهم الخطر الذي نواجهه ومهمتك في مواجهة هذا الخطر، وما أن تعرف واجباتك وتشعر بوجود هدفاً ما، تحرّك وابدأ في تنفيذ المهام. ليس شرطا أن تكون أشياء قد فعلتها من قبل، اعتنِ بعائلتك، ابدأ مشروعًا جديدًا، تعلم العزف على الجيتار، تعلم لغة جديدة، اقرأ كتاباً ما، اكتب، ابتكر، إنها فرصة للقيام بشيء مختلف ربما لم تفعله من قبل، ثم كرر ذلك“.
وأضاف هادفيلد أنه لم يكن هناك وقت أفضل من وقتنا هذا للعزل الذاتي، فالعديد من الناس لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت الآن، حيث يتوافر فيه كمية هائلة من المعلومات ومحتوى للقراءة وللترفيه عن النفس.
ويضيف هادفيلد: “اعتنِ بنفسك، وبأسرتك، وبأصدقائك، وبمركبتك الفضائية، أتمنى للجميع هبوطًا سعيدًا“.