انبرى سمير بنيس، المحلل السياسي والمستشار الدبلوماسي المغربي، للرد على مقالين تحليلين نشرا في مجلة “فورين بوليسي”، أحدهما لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، والثاني للأستاذ في جامعة سان فرانسيسكو ستيفن زونز، الذي يعتبر من أشرس المدافعين عن البوليساريو وعن الجزائر.

وشدد المستشار الدبلوماسي المغربي على كون المقالين المذكورين تضمنا مغالطات لا تصمد أمام التمحيص والتدقيق والتحليل الموضوعي، وتغاضيا عن العديد من المعطيات التاريخية والحجج القانونية التي لا يمكن بدونها فهم الأبعاد السياسية والتاريخية والجيو-استراتيجية لهذا النزاع.

وبناءً على الحجة والبرهان بالاستناد إلى وثائق ووقائع غير قابلة للطعن وإلى القانون الدولي العرفي، شرح بنيس كيف أن الوضع القانوني للملف قد تغير منذ انطلاق العملية السياسية عام 2007، التي أكدت أهمية التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه ومقبول من الطرفين.

كما بيّن المحلل السياسي كيف ترتب عن اتساق الممارسة داخل مجلس الأمن ومن خلال قبول الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالحل السياسي وأهلية المخطط المغربي في المساعدة على التوصل إلى حل سياسي، (كيف ترتبت عن ذلك) نتائج قانونية أدت إلى تغيير الوضع القانوني للصحراء، بحيث أصبحت مرجعية حل النزاع هي القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ عام 2007، وليس الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ولا مقتضيات مخطط التسوية لعام 1991.

بناءً على ذلك، أوضح بنيس أنه من منظور مجلس الأمن الذي يعتبر أهم هيئة تقريرية في الأمم المتحدة والكيان الساهر على حفظ الأمن والسلم الدوليين، فإن حل نزاع الصحراء المغربية لن يأتي إلا من خلال مفاوضات سياسية تحفظ ماء وجه كل الأطراف في ظل السيادة المغربية على الصحراء.

كما قام بنيس بدحض كل الادعاءات الواهية التي تقول بأن قرار الرئيس ترامب يتعارض مع القانون الدولي، موردا أن هذا القرار يعتبر ترجمة على أرض الواقع وبشكل واضح للموقف الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقدين من الزمن، حيث عبرت كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال هذه الفترة عن دعمها للمخطط المغربي لتمتيع الصحراء بالحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.

كما أن هذا القرار، يضيف المستشار الدبلوماسي، يعكس التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على الوحدة الترابية للمغرب بموجب مقتضيات مؤتمر الجزيرة الخضراء، الذي عبرت خلاله كل الدول المشاركة فيه، بما فيها أمريكا، عن التزامها باحترام الوحدة الترابية للمغرب، علماً أن الصحراء كانت تعتبر آنذاك جزء من التراب المغربي.
من جهة أخرى، أوضح المحلل السياسي أنه تماشيا مع مبدأ اتساق الممارسة من منظور القانون الدولي العرفي، فإن هذا القرار ما هو إلا استمرار للممارسة المتسقة والمستمرة التي دأبت عليها الإدارات الأمريكية خلال الفترة نفسها، بغض النظر عن توجهاتها الأيديولوجية.

بالإضافة إلى ذلك، التمس بنيس من الرئيس بايدن أن يحافظ على القرار الذي اعتمده سلفه ترامب، مؤكدا أن هذه الخطوة ستتماشى مع السياسة الأمريكية كما سبق الذكر تجاه المغرب وتجاه النزاع.

وأكد بنيس أن دعم المغرب لن يكون فقط إقراراً بضرورة التحلي بالواقعية من أجل إنهاء النزاع، بل كذلك عرفاناً بالعلاقات التي تجمع البلدين والمكانة التي تحظى بها المملكة في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.

وفي هذا الصدد، ذكر المستشار السياسي السابق لدى الأمم المتحدة أن المغرب ظل منذ أكثر من ستة عقود حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، وساهم بشكل كبير في إنجاح استراتيجياتها وفي الحفاظ على مصالحها في المنطقة.

وشدد على أن المغرب هو البلد الوحيد في إفريقيا الذي تربطه اتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة، كما أنه البلد الإفريقي الوحيد الذي تجري معه تدريبات عسكرية سنوية، بالإضافة إلى كونه من بين ثلاثة بلدان إفريقية تحظى بصفة “أكبر حليف خارج ملف الناتو”.

من جهة أخرى، أوضح بنيس أن دعم أمريكا للموقف المغربي سيمكنها من الحصول على موطئ قدم في جنوب المغرب، ويساعدها على تعزيز تواجدها في إفريقيا جنوب الصحراء وتعزيز حظوظها في تقوية نفوذها السياسي والاقتصادي في أفريقيا، في وقت أصبحت فيه هذه الأخيرة مسرحا لتنافس قوى عظيمة وإقليمية مثل الصين وروسيا وفرنسا والهند والمملكة المتحدة والبرازيل وتركيا.

ودحض المحلل السياسي المغربي ادعاءات بولتون وزونز بخصوص الاستغلال المزعوم للموارد الطبيعية للمنطقة من طرف المغرب، موضحا أنه خلافا للسردية المسيطرة، فإن عائدات المغرب من الفوسفاط بالمنطقة لا تمثل سوى 2 في المائة من مجموع إنتاج المجمع الشريف للفوسفاط و5 في المائة من إجمالي دخله السنوي.

وبخصوص الصيد البحري، أكد أن المغرب لا يحصل سنويا إلا على ما يقارب 60 مليون دولار مقابل تمكين بواخر الصيد الأوروبية من استغلال الموارد البحرية للمنطقة.

وأوضح بنيس أنه بينما لا يجني المغرب عائدات مالية كبيرة من خيرات المنطقة، فقد صرف عليها عشرات المليارات من الدولارات من أجل بناء مدن بأكملها وتجهيزها بأحدث المستشفيات والمنشآت الاجتماعية، مبرزا أن مؤشرات النمو في المنطقة أحسن من باقي مناطق المغرب، وأن مدن الصحراء توجد تحت تدبير سكانها، الذين ليس فقط يشاركون بشكل مباشر في التدبير الفعلي لشؤون المنطقة، بل إنهم كذلك أعضاء في البرلمان.

واستحضر في الختام تأكيد الملك محمد السادس عام 2014 أنه مقابل أي درهم يحصل عليه المغرب من الصحراء، فإن الدولة تصرف 7 دراهم من أجل جعل هذه المنطقة قطباً اقتصاديا وثقافيا واجتماعياً يضاهي باقي مناطق المغرب.

hespress.com