من رهان البحث عن موقع في الانتخابات التشريعية المقبلة إلى تحدّي احتواء دائرة الغضب التي تتسع داخله، يحاول حزب العدالة والتنمية الخروج من الاستقالات الجماعية التي شهدها مؤخرا بأقل الخسائر، بالنظر إلى قرب تنظيم الانتخابات، وإلى طبيعة المرحلة السّياسية التي لا تقبل التردد والانتظارية. بينما تبدو هذه المهمة “شاقة” أمام “الحزب الإسلامي” في ظل التقاطبات الأخيرة.
ولا يتوقف الجدال الداخلي في حزب العدالة والتنمية؛ فمن رهان مواجهة الدعوات إلى تعديل القاسم الانتخابي والاستعداد لتشريعيات 2021، يبدو أن مشكلا آخر سينضاف إلى قائمة “التحديات” التي ستعرقل سير الحزب صوب حكومة 2021، والأمر يتعلق هنا بالاستقالات التي تضرب “البيجيدي”.
ولا يقبل الحزب الذي يقود الحكومة “فكرة” خسارة الانتخابات التي ستتحول إلى معركة “تكسير العظام” بين القوى السياسية، لكن ما هو مؤكد أن هناك اقتناعا داخليا لدى الإسلاميين بضرورة مراجعة طريقة وفعالية مشاركة الحزب في الانتخابات التشريعية المقبلة.
ولعل قبول “العدالة والتنمية” باستئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب ومشاركة أمينه العام في حفل التوقيع الرسمي، كان من بين الأسباب التي عجلت برحيل عدد من الأعضاء من الحزب الإسلامي، آخرهم المقرئ أبو زيد وعبد العزيز العماري، الذين رفضوا ضمور هوية الحزب ومرجعيته الإسلامية.
المحلل السياسي يوسف بلال قال إنّ “الانتصار الذي كان يحققه الحزب كان في سياق معين اتسم بصياغة دستور جديد وانتخابات تشريعية شفافة وسياق إقليمي مضطرب”، مبرزا أن “السياق الحالي مختلف تماما، وقد يشهد البجيدي تراجعا على مستوى قاعدته الانتخابية”.
وتوقع بلال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن يتراجع أداء الحزب الانتخابي في التشريعيات المقبلة، بسبب التجربة الحكومية الفاشلة، بحيث كانت هناك محاولات لتوسيع دائرة القرارات “المؤلمة” التي كانت بين يدي رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
وشدد المحلل والجامعي المغربي على أن “تراجع الحزب بدأ خلال عام 2013، لكن بنكيران استطاع أن يحقق نوعا من التوازن بين الخطاب الحزبي وبين هامش التنازلات التي كانت تقع، وهو ما تُرجم على مستوى نتائج انتخابات 2016، بحيث إن القدرة التواصلية لبنكيران استطاعت إقناع المغاربة بالتصويت على الحزب”.
وأشار إلى أن “عدم قبول السلطة باستمرار بنكيران في الحكومة أدخل الحزب في دوامة من الصراع، ومن هنا بدأت الضربات إلى أن وصلنا إلى هذه المرحلة الحرجة التي يشهدها الحزب في ظل القيادة الحالية التي ليس لها أي تأثير على المجتمع”، معتقدا أن “الأداء الحكومي من الناحية الفنية والحضور السياسي، ضعيف مقارنة مع بنكيران”.
على المستوى السياسي، يضيف يوسف بلال، فإن “تطبيع العلاقات مع إسرائيل كان له دور في خلق رجة داخل الحزب؛ إذ إن ذلك كان مخالفا لمواقف الحزب التاريخية ومس هوية الحزب ومصداقيته”. وتوقف الباحث ذاته عند حدود قدرة الحزب على تقديم تنازلات وقرارات “مهينة” يتم من خلالها ضرب هويته ومصداقيته ومشروعه السياسي.
والإشكال المطروح، هو “هل هناك رغبة لدى بعض القياديين في الاستمرار بأي ثمن في الحكم وتسيير شؤون الدولة والحكومة أم حان الوقت بعد هذه التجربة الحكومية لإعادة بناء الحزب وإعادة النظر في هذه التنازلات المقدمة؟”، يتساءل بلال، مجيبا بأن “هناك رغبة في إعادة النظر في بعض الخطوط الحمراء للحزب”.
ويظل الحزب الإسلامي، وفقا لتصريحات المحلل السياسي ذاته، أقوى حزب انتخابي في المغرب، مقدرا أنه “خلال السنة المقبلة، سيكون هناك تراجع على مستوى النتائج، لكن السؤال كيف يترجم هذا انتخابيا؟ هل مازال المناضلون داخل الحزب مقتنعين بالمشروع لمواجهة الناخب المغربي؟”.