الرئيس المُغادر: “سأعود بطريقة أو بأخرى” –دونالد ترامب

الرئيس الجديد: “يوم جديد يُشرق على الولايات المتحدة” –جوزيف بايدن

هكذا كان مشهد تسليم السلط بين إدارة ترامب وإدارة بايدن. هذا الأخير حرص على أن يكون احتفال تنصيبه وفق التقاليد والأعراف السائدة في أمريكا منذ عدة عقود. وكانت أهم مشاهد هذا الاحتفال، أداء الرئيس المنتخب اليمين الدستوري ويده على إنجيل كاثوليكي تملكه أسرته منذ 130 عاما. فيما اكتفت نائبته كاميلا هاريس بأداء اليمين الدستوري برفع يدها اليمنى. كما أن الحفل لم يَخْلو من الصلوات والتدرع لله بأن يحمي أمريكا، ومن أجل ذلك، تم استدعاء بعض القساوسة، فقام الجميع للإنصات للصلوات. الحفل عرف كذلك أداء النشيد الوطني الأمريكي، وتم إسناد هذه المهمة للمغنية ليدي غاغا. الفن والموسيقى كانت حاضرة في حفل التنصيب، وقد أدت فيه المغنية جنيفر لوبيز لوحة غنائية. غاب الرئيس المنتهية ولايته في سابقة لم تشهدها هذه المراسيم منذ إنشاء بلاد العم سام، وحضر أبرز رؤساء أمريكا السابقين كباراك أوباما وبوش الابن وبيل كلينتون، في حين غاب أكبر رئيس على قيد الحياة جيمي كارتر. هذه هي أبرز معالم تنصيب استثنائي لرئيس يواجه مرحلة استثنائية.

ذهب الكثير من المحللين السياسيين إلى اعتبار أن الأحداث الأخيرة التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية، ستكون لها تداعيات خطيرة على الديمقراطية الأمريكية وعلى الوضع الداخلي. لكن بالعودة للتاريخ، يمكننا أن نعتقد غير ذلك، وأن نُقر بأن أمريكا ستتجاوز أزمتها الديمقراطية، وانقسامها الداخلي وفق الضوابط القانونية وتستمر كما كانت… أمريكا التي تريد أن تُبقي على تفوقها وقيادتها للعالم مع محاصرة منافسيها خاصة الصين وروسيا. أما أوروبا فقد أبانت عن ضعف كبير خلال ولاية ترامب. أُبرهن على هذا القول انطلاقا من تنبؤ كارل ماركس بزوال النظام الرأسمالي في أمريكا، وكان قوله ذاك مستندا إلى التناقضات الداخلية التي كانت سائدة في أمريكا آنذاك. لكن ما أغفله ماركس، هو أن النظام الرأسمالي يملك ميكانيزمات داخلية لكي يتطور، وينسجم مع المرحلة لتجاوز الصعاب والأزمات. هذه القدرة على التأقلم هي التي مكنت أمريكا بنظامها الرأسمالي من تجاوز أزمة 1929، وما تلاها من أزمات أذكر على الخصوص الأزمة المالية لسنة 1997 والأزمة الأخيرة في 2007.

هذه القدرة على التأقلم مع الأزمات هي التي ستجعل أمريكا قادرة على الخروج من أزمتها الديمقراطية وانشقاقها الداخلي وربما بقوة أكبر. وبالتالي فالرهان على أزمة داخلية لتقليص دور أمريكا عالميا وتراجع قوتها الدولية، هو رهان خاسر. والرهان الواقعي لحصر الدور العالمي الأمريكي، يكمن في صعود قِوى عظمى جديدة قادرة على الوقوف بِنِدِّية أمام عظمة أمريكا. فالرهان إذن على تحجيم الدور الأمريكي في المنتظم الدولي هو بالأساس خارجي ولن يكون في الداخل الأمريكي، كالرهان مثلا على حرب أهلية أو انشقاق حاد بين الشعب الأمريكي أو رفض ترامب التخلي عن السلطة وهو ما ذهبت إليه كثير من التحاليل، قبل أن يتبين العكس.

على هذا الأساس يمكننا القول إن إدارة جو بايدن ستواصل صراعها مع الصين، بل يمكننا أن نتوقع أن هذا الصراع سيزداد حدة وربما يصل إلى الاحتكاك العسكري. والسبب في ذلك ليس لأن الصين بلد شيوعي أو ينتمي للمعسكر الشرقي، وإنما لأن العالم يعيش في مخاض بين دولة صاعدة تحقق نسبة نمو أكبر من تلك التي تحققها أمريكا، وتسير بخطى سريعة وثابتة لتكون القوة الاقتصادية الأولى عالميا وتنحدر أمريكا إلى المرتبة الثانية، ودولة عظمى ستفعل كل شيء من أجل أن تحافظ على ريادتها للعالم. علما أن الواقع الحالي يسير لصالح الصين التي استطاعت أن تُحاصر وباء كورونا فيما أمريكا دفعت الثمن غاليا نتيجة سوء تدبير الأزمة الصحية من قبل إدارة ترامب، وهو الأمر الذي ما لبث يكرره بايدن لقناعته بخطورة الجائحة على مكانة أمريكا العالمية. إلى جانب هذا المعطى، نذكر بعض التوقعات التي تجعل الصين قادرة على تحقيق نسبة نمو قد تصل إلى 7% جلال هذه السنة، فيما الاقتصاد الأمريكي ما زال يترنح نتيجة سوء تدبير جائحة كورونا من طرف الإدارة السابقة، وهو ما يعني تكريس الخط التصاعدي للصين كي تُزيح أمريكا عن عرشها العالمي.

ولعل هذا الصراع مع الصين، سيكون البوصلة الرئيسية للسياسة الأمريكية في عهد جو بايدن، وهو ما سينعكس إيجابا على المغرب وعلى قضية وحدته الترابية. فإدارة بايدن تعلم جيدا أن الصين تتغلغل بشكل كبير في عموم القارة الإفريقية، وحان الوقت لتتدخل أمريكا في هذه القارة بكل قوتها لتقليص الدور الصيني في القارة السمراء. وإدارة بايدن تُدرك كذلك جيدا، أن المغرب هو البوابة الرئيسية لها للقيام بهذا الدور لسببين اثنين:

السبب الأول هو العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب بأمريكا. فالمغرب منذ الحرب الباردة كان محسوبا على المعسكر الغربي وخياره هذا خيارا استراتيجيا واضحا وقارا لم يتغير. على عكس ذلك، ستجد الجزائر نفسها في وضع معقد لا تُحسد عليه. فهي منذ الحرب الباردة محسوبة على المعسكر الشرقي، وتعتمد في تسليحها على روسيا والصين. كما أنها من الناحية الديبلوماسية تتأرجح بين المعسكر الروسي وإقامة علاقات مع أمريكا هي في أمس الحاجة لها ليكون لها موقع في الساحة الدولية.

السبب الثاني هو ما أنجزه المغرب من استثمارات في كثير من الدول الإفريقية في المجال الاقتصادي والتعاون التجاري. وهو عامل قوة يمكن أن تجعل منه أمريكا-بايدن قاعدة انطلاقها نحو اختراق القارة الإفريقية ومحاصرة المد الصيني فيها. ولعل فتح قنصلية بأهداف اقتصادية في مدينة الداخلة، وإقامة واحد من أكبر الموانئ الإفريقية في هذه المدينة الواقعة في الصحراء المغربية، إضافة إلى الحديث عن قاعدة عسكرية في نفس المدينة، كلها عناوين لموقف أمريكي يريد حسم صراع وهمي، سيجعل الجزائر بين خيار تغيير ديبلوماسيتها الخارجية وتغيير بوصلتها من المعسكر الشرقي باتجاه الغرب، لتفادي عزلة دولية، وبين البقاء على خياراتها المعادية للمغرب وبالتالي المزيد من العزلة الدولية والانكسارات الديبلوماسية.

والأكيد أن هذه العزلة والانكسار الديبلوماسي سيجعل نظام الجنرالات في الجزائر يزيد من تلويحه بالحرب وقيامه بمزيد من الاستعراضات العسكرية. والمغرب كما أمريكا يعرف جيدا أنها استعراضات بهلوانية لأن الأزمة التي تعيشها الجزائر داخليا تجعلها غير قادرة على تحريك ولو دبابة أمام الجيش المغربي. وللتذكير فالمملكة المغربية لا تقدم نفسها في وسائل الإعلام كدولة عسكرية، ولا تتحدث كثيرا عن قوتها العسكرية كما يفعل جنرالات الجزائر، لأن المغرب يعرف جيدا حجم قوته قياسا لمن يهدده من جيرانه، ولا يكترث للبلاغات الإعلامية لأنه يعرف جيدا أن تحصيناته العسكرية وأقماره الاصطناعية التي ترصد كل تحرك على حدوده، يجعله قادرا على لجم أي وحدة عسكرية تقترب من حدوده بل وبمجرد تحركها. لذلك نرى أن الخصوم يكتفون بالبلاغات العسكرية في إعلامهم لعدم قدرتهم على القيام بأي اعتداء على الحدود الآمنة والمُؤَمَّنَة.

hespress.com