حقوق الصورة: GETTY

عند التَّفكير في وجود سُلالةٍ جَديدة أو تحوُّرٍ جَديدٍ لفيروس كورونا المُستجدّ، فهُناك قاعِدةٌ واحِدةٌ لاتّباعِها: هل يغيّر هذا من سلوكِ الفيروس؟

للوَهلة الأولى قد تَبدو جُملَة “فيروس مُتحوّر” مُخيفةً، ولكنَّ التّحوُّر والتّغيير في الأساس من طَبيعَةِ الفيروسات.

غالبًا ما يتَراوَح هذا التّغيير بين طفرة بسيطٍة لا تأثير لها، أو أن يحوّر الفيروسُ من تركيبه بِطريقَةٍ تَجعلهُ أكثَر سوءًا في إصابتِنا بالعَدوى، وأسرع انتشارًا.

لا يوجد دليلٌ دامِغ على أن السُّلالَة الجَديدة من فيروس كورونا التي اكتُشِفَت في جَنوب شَرق بريطانيا يُمكن أن تنتَقِل بِسهولَة أكبَر، أو تُسبِّب أعراضًا أشدّ خطورَةً، أو تُهدِّد فعاليّة اللّقاح، ورَغمَ ذلك يُراقِب العُلماءُ هذه السلالة الجديدة عن كَثَب لسبَبين: الأوَّل هو تَزايُد أعداد السُّلالةِ الجَديدَة في المَناطِق كثيرَة الإصابات، ما يوجِب الحَذَر، رغم أنَّه يُمكن تبرير ذلك بأنّ الفيروس قد يكون لجَأ للتحوُّر ليُسهِّل من مهمَّة انتشارِه، وبالتالي أدَّى ذَلك إلى زيادة مُعدّلات العَدوى.

ولكن قد يَكون الفيروس المُتحوّرُ مَحظوظًا إذا أصابَ الفِئة الصَّحيحَة في الوَقتِ المُناسِب، فأحد التّفسيرات لانتِشارِ السَّلالة الإسبانِيّة في فصلِ الصَّيف هي إصابَة النَّاس بها أثناء العُطلة ثم العودة بها لمَنازِلهم.

والسَّبب الثاني الذي يُثيرُ حيرَةَ وفُضولَ العُلماء هو الكَيفِيِّة التي تحوَّر بها الفيروس.

قال نيك لومان Nick Loman من الجمعيَّة البريطانيّة لعِلم جينات فيروس كوفيد-19 في تَصريحٍ أدلى به: “لقد تحوّر الفيروس -وعلى نحوٍ مُدهش- العديد من المَرّات، ولكن قِلّة منها كانت ذات أهمِيّة”. توجد مجموعتان بارِزتان من الطّفرات، وُجدَت كلاهما في المستقبلات البروتينة التي يَستخدِمها الفيروس كمفتاحٍ للدّخول إلى خلايا الجِسم والاستِحواذِ عَليها.

تُغيِّرُ هذه الطَّفرة التى تدعى (N501) الجُزءَ الأهَمّ من البروتين المَعروف باسم (حيّز رَبطِ المُستقبِلات)، وهذا الحيّز هو أوَّل ما يتلامَس مع سَطح الخَلايا، وتُسهّل هذه التغيُّرات من دُخولِ الفيروس لجسم الخليَّة.

ويصِفُها لومان قائلًا: “تبدو مهمةً في عملية تكيّف الفيروس”.

سيضع التطعيم الجماعي نوعًا مختلفًا من الضغط على الفيروس لأنه يجب أن يتغير من أجل إصابة الأشخاص الذين تم تحصينهم . حقوق الصورة: PA MEDIA

سيضع التطعيم الجماعي نوعًا مختلفًا من الضغط على الفيروس لأنه يجب أن يتغير من أجل إصابة الأشخاص الذين تم تحصينهم . حقوق الصورة: PA MEDIA

ظهرَت الطَّفرةُ الأُخرى في العَديد من المرَّاتِ السَّابِقة، وكانت على شكل حذف جين يدعى (H69/V7)، وظهرت هذه الطفرة بالأخصّ لدى حيوانِ المِنك، ما أثار القَلق حول كون الأجسامَ المُضادَة في دم النَّاجين أقَل فاعِليَّةً في مُواجَهةِ هذه الطّفرة من الفيروس.

ومُجدّدًا سيحتاجُ الأمرُ للمَزيدِ من الدِّراسات المخبرية لفهمٍ شامِلٍ لما يحدث.

وقد قال البروفسور آلان ماكنالي Alan McNally من جامعة برمنغهام: “نحن نَعلم على وجهِ اليَّقين بوجودِ طَفرةٍ ما، ولكن نَجهَل ما يَعنيه ذلك من النَّاحيَة البيولوجيَّة، فمِن السَّابِق لأوانِه حَسم ما إذا كانَت هذه المَعلومَة ذاتَ أهمِيّة أم لا”.

يؤدي وجود الطّفرات في المستقبلات البروتينيّة إلى التَّساؤل عن مَدى فعاليَّة اللّقاح؛ إذ تعمل اللّقاحات الثَلاثَة الرَّئيسِيَّة -فايزر، وموديرنا، وأوكسفورد- جميعُها على دَعم جهازِ المَناعة للتعرف على هذه المستقبلات ومهاجمتها، ولكن الجِسم يَقوم بمُهاجَمة العَديد من المستقبلات البُروتينية، ولذلك فمَسؤولو الصِّحة مُتمسّكون بالاعتِقاد أنّ اللّقاح سيكون فعَّالًا ضِدّ هذه الطّفرات.
مُنذُ عامٍ تحوَّر هذا الفيروس في الحيواناتِ، وانتَقَل سَريعًا إلى الإنسان، ومُنذ ذلك الحِين كانت تظهر الطّفرات بمعدّل طَفرتين شَهرِيًّا.

فإذا أُخِذَت اليوم عيِّنةُ دم وقورنت مع نَظيرَتِها من بداية ظهور الفيروس في ووهان\الصين، سَيُلاحظ وجود 25 طفرةً مُختلِفة.

لا يَزال فيروس كورونا يُحوّر جاهدًا من تركيبه للتَّمكٌّن من عَدوى الإنسانِ، وقد شَهِدنا ذلكَ سابِقًا.

إذ يدّل ظهور تحوّر جديد على الجين (G614) وهَيمَنته عالمِيًّا على أن الفيروس يُحسّن من قُدرتِه على الانتِشار.

ولكن قريبًا سيُسبِّب انتشار اللّقاحات عِبئًا على الفيروس يَضطرُّه للتحوُّر لإصابة أولئك الذين أخذوا اللّقاح بالعَدوى.

فإذا دَفَع ذلك الفيروس للتطوُّرَ، سيَتحتَّم علينا تَحديثُ اللَّقاحات باستِمرارٍ -كما الحال مع الإنفلونزا- لمُواكَبةِ هذه التَّغيُّرات.

nasainarabic.net