لا يبدو أن حزب العدالة والتنمية استطاع تجاوز صفحة “التّطبيع”، فالهوّة بين القواعد والقيادة الحزبية ما فتئت تتوسّع، وقد زادت خرجة عضو الأمانة العامة عزيز رباح حول احتمال زيارته إسرائيل بصفته الرّسمية كوزير، وليس الحزبية، من حرارة النّقاش الداخلي الذي يشهده الحزب خلال الفترة الأخيرة.

وعلى الرغم من وجود اختلافات داخل الحزب تتطلب قراءة متأنية وعميقة، فإن “البيجيدي” فضل تجاوز صفحة “الخلاف” والاستعداد للانتخابات المقبلة التي يراهن عليها إخوان “العثماني”، بينما يطالب قياديون داخل الحزب بتعزيز النقاش الداخلي والتفكير في أفق اشتغال الحزب، خاصة في ظل التطورات الأخيرة.

وطفت دعوات داخل الحزب تطالب بإجراء “تقييم حقيقي لتجربة عشر سنوات من المساهمة في الحكم من موقع رئاسة الحكومة وتصدر البرلمان وتسيير الجماعات من أجل معرفة إلى أين يتجه الحزب، وماهي أطروحته المؤطرة لوجوده السياسي في المرحلة المقبلة”.

حسن حمورو، عضو المجلس الوطني للحزب، انتقد بشدّة حديث عضو الأمانة العامة للحزب عزيز رباح عن احتمال زيارته إسرائيل بصفته الوزارية الرّسمية، وقال إنّ “هذه الصفة لم يكتسبها إلا بفضل الحزب، الذي يملك نظريا وقانونيا أن يجرده منها، أو على الأقل يجرده من عضوية القيادة السياسية للحزب، فضلا عن كون أصوات المواطنين كانت عاملا مهما في اكتسابه هذه الصفة”.

وأضاف حمورو “في القضايا الكبرى لا يملك أي عضو في الحزب إلا الانضباط لما يصدر عن مؤسساته التقريرية، والمجلس الوطني ليناير 2021 ذكر بموقف الحزب المبدئي من التطبيع، والنقطة الأخيرة في بيانه الختامي رسمت خارطة طريق مستقبل الحزب، وعلى عزيز رباح، وكل أعضاء الحزب استيعابها”.

وينطلق المحلل السياسي إلياس الموساوي من مُسلّمة مفادها أن صنع قرار السياسة الخارجية للمغرب هو من القرارات التي يمكن إدخالها ضمن “المجال المحفوظ للمؤسسة الملكية”، مضيفا أن “المشروعية الدينية للمؤسسة الملكية تعتبر ثابتا في سياسة المغرب الخارجية، خصوصا تجاه القضايا التي تميل إلى الانتماء العقدي”.

ويتابع المحلل ذاته قائلا: “على المستوى التأطير الدستوري، نجد أن الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 منحت وضعا متقدّما للمؤسسة الملكية في رسم السياسات العامة والعريضة للبلاد. فالملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة، ويسهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة حسب منطوق الفصل 42 من الدستور”.

وأوضح الموساوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنّه “حسب الفصل 49، فإن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية تندرج ضمن التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، التي تتخذ قراراتها من داخل المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك (الفصل 48 من الدستور).

وأضاف أن “كل هذه الأمور وغيرها جعلت وزراء العدالة والتنمية في موقف قانوني ضعيف، بحكم الأدوار المساعدة والإقرارية للجهاز الحكومي على مستوى صياغة القرار الخارجي للمملكة المغربية”. وتابع قائلا: “الجهاز الحكومي برمته، وضمنه وزراء الحزب الإسلامي، لا يملك أي مجال للمناورة على صانع القرار الحقيقي الذي هو الملك”.

وأكد المحلل ذاته أنّ “كل الخرجات الإعلامية لبعض قادة “البيجيدي” ما هي إلا مفرقعات إعلامية هدفها توجيه مسكنات وهمية لقاعدتهم الجماهيرية، التي تعاقدت معهم على أساس الدفاع عن المقدسات الإسلامية، التي تأتي في طليعتها القضية الفلسطينية”.

ولفت الموساوي الانتباه إلى أن “الحكومة في المغرب تبقى على مستوى السياسة الخارجية جهازا للتسيير وليس جهازا للتقرير، ما دام منبع السلطة لا يكمن فيها وإنما ينعكس عليها، من خلال سلطة أعلى، هي السلطة الملكية، ووزراء العدالة والتنمية مجبرون على الامتثال لكل ما يصدر عن المؤسسة الملكية”.

hespress.com