استعرت حرب استقطاب “الكفاءات الغنية” الشابة بين عدد من الأحزاب السياسية، في محاولة منها لدخول غمار منافسات الانتخابات البرلمانية المقبلة بأريحية أكبر ضمانا للحصول على نتائج مرضية.

وتعرف مناطق الوسط الجنوبي المغربي، خاصة سوس وسيدي إفني، إلى جانب جهة الدار البيضاء، منافسة من نوع خاص، تقوم على سعي مجموعة من الأحزاب لاستقطاب رجال الأعمال الشباب من أصول أمازيغية قصد ترشيحهم ضمن لوائحها للانتخابات التشريعية.

وتشهد مناطق تزنيت وسيدي إفني تنافسا شديدا بين الأحزاب السياسية الكبرى على استقطاب رجال أعمال شباب ينتمون إلى قبائل أمازيغية كبرى في المنطقة، رغم انتمائهم لأحزاب ليبرالية، نظرا لقوة تأثيرهم، وهو ما يظهر من خلال نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي بلغت في انتخابات 2016 ما يقارب 42 في المائة، وارتفاعها إلى 54 في المائة خلال الانتخابات الجزئية التي فاز بها مصطفى مشارك عن حزب التجمع الوطني للأحرار.

ويقول الباحث السياسي الأستاذ الجامعي رشيد لبكر: “لعل ما يفسر هذه الحرب الباردة التي اشتعلت في بعض المناطق بالمغرب، هو الرغبة في الفوز باستقطاب بعض الأسماء التي تتوفر فيها ثلاثية الشباب والنجاح والمال، واعتقد أن هذه المنافسة الاستقطابية ستزداد اشتعالا كلما قرب موعد الانتخابات، لأن غاية الأحزاب استغلال الفرصة وكسب (الهمزة)، أي منح تزكيتها لمن يضمن الفوز بالمقعد، وغالبا ما يكون الشخص المراهن عليه معروفا حتى قبل الانتخابات، بالنظر لما يتوفر فيه من معطيات وضمانات لا تتوفر في غيره، وبالتالي فهو الهدف الذي يسعى الجميع إلى تحقيقه”.

وأضاف: “من الطبيعي أن تسعى الأحزاب إلى استقطاب الفعاليات الشابة، على اعتبار أنه الخطاب الذي أصبح رائجا الآن في ظل مناداة الجميع بضرورة تشبيب المشهد السياسي وضخ دماء شابة في شرايينه من أجل تجديد وعصرنة الخطاب الحزبي وعصرنة الفعل السياسي”.

وتابع لبكر في تصريح لهسبريس بأن “العصر الذي دخلنا فيه، أضحى يقتضي مهارات وكفاءات تدبيرية وتواصلية حديثة، تنبني أساسا على الطرق والأنظمة والتطبيقات المعلوماتية المبتكرة، وهي مجال اهتمام شباب اليوم، وبالتالي فهو الأقدر على التعامل معها وعلى حسن استغلالها”.

من هنا، فالأحزاب، يواصل المتحدث، “أضحت واعية بهذا المعطى الذي أخذ يفرض نفسه شيئا فشيئا، إلى درجة أصبح معها الاعتقاد جازما بأن الذي لا يمتلك الحد الأدنى من قدرة التعامل مع هذه المستحدثات هو أمي لا يصلح لأن يقرر في مصير بلد قاعدته الأساسية من الشباب، وبالتالي فمن غير المنطقي الاستمرار في غض الطرف عن هذا المعطى، لأن ذلك معناه توسيع المسافة التي تبعد بين الشباب والعمل السياسي، وعزل الطرفين عن بعضهما البعض أكثر، وهذا لن يخدم لا الأحزاب ولا الدولة في آخر المطاف”.

ويقصد الأستاذ الجامعي بقوله هذا، “خلق نوع من التلاقح والتمازج، يكون فيه العمل السياسي شأنا مشتركا بين الرعيلين القديم والجديد، هذا إذن هو السبب الأول لما أسميته بظاهرة الاستقطاب الشبابي التي حتى وإن لم تكن يجب أن تكون. أما السبب الثاني، فيرتبط، حسب اعتقادي، بطبيعة العمل السياسي وفق النسق الحزبي المغربي بشكل عام، فالمعروف أن أحزابنا غايتها الحصول على نتائج متقدمة في الانتخابات بغض النظر عن أي شيء آخر”.

وأوضح الباحث السياسي، في تصريحه لهسبريس، أن “الشخص القادر على جلب مقعد والمؤيد بضمانات مؤكدة، سيحظى بالتزكية بغض النظر عن مدى انسجام قناعته مع قناعة الحزب، الذي يعتبر والحالة هذه مسألة ثانوية، وقد رأينا حالات متعددة لا داعي للوقوف عندها”.

ويرى لبكر أن “خطاب الدولة يركز الآن على الكفاءة، وفق المبادئ الجديدة التي أشرنا إلى بعضها سابقا، والتي لن تكون في الغالب إلا كفاءات شابة، ولأن من مهام الأحزاب نظريا البحث عن الكفاءات واقتراحها في مناصب التسيير وفق ما يعرف في الأدبيات السياسة بـ(التجنيد السياسي)، فإنها تحاول الآن أن تموقع نفسها في هذا الإطار، وأن تطعم خزان مقترحاتها ببروفايلات شابة كي تستطيع منافسة غيرها من الأحزاب في القدرة على الاقتراح، وإلا سيكون مصيرها التجاوز والإهمال، ولن يكون أضمن لها في نسقنا السياسي الوطني من المراهنة اليوم على ثلاثية: الشباب، التميز، ثم المال، لأن الشاب الناجح ذا الإمكانات المالية هو الأكثر إغراء في عملية الاستقطاب، وهو من يمكن للأحزاب المراهنة عليه بلا (مغامرات)”.

hespress.com