إلى وقت قريب، كنا نتحدث عن العملاء السريين، وهؤلاء يرتبط عملهم بأجهزة المخابرات، وتكمن قوة كل دولة في قوة مخابراتها أولا. أما اليوم، فقد انضافت إلى قاموسنا مهنة جديدة هي مهنة “عامل سري”، وطبعا لا علاقة لها بمهنة العميل. صحيح أنها مهنة محفوفة بالمخاطر، لكن إذا كان العملاء يتبعون للإدارة المخابرات، فالعمال السريون يتبعون للقطاع غير المهيكل، وليست لهم وزارة معلومة، لكنها وزارة ملموسة من خلال عدد العمال التابعين لها.

يمكن تسمية هذه الوزارة بـ”وزارة البؤس والقطاعات غير المهيكلة”، أليس العمل في قطاع البناء والأوراش الكبرى دون حماية اجتماعية عملا بئيسا؟ أليس العمل في الأشغال الشاقة دون تعويض عن الساعات الإضافية والساعات الأصلية عملا كئيبا؟ أليس البؤس عينه هو تشغيل النساء في الحقول الزراعية وتعريضهن لسلطة “متخلفين عقليا” يشهرون في وجههن سلطة رأس المال وسلطة الجهل؟

أليس جيش المتسولين الذين يجتاحون الشوارع في حاجة إلى وزارة خاصة بهم بالنظر إلى كثرتهم؟ ألا ينتظم المتسولون في فرق و”عصابات” تتكلف بالتنكيل بأصحاب السيارات والراجلين ورواد المقاهي والأسواق الممتازة والأسواق العشوائية؟ بل إن بعض المتسولين المحترفين لهم نقط “تسول مهني” معروفة، ولا يتغيرون ولهم مدخول شبه قار، ويتكلفون بالبيع والشراء في ذمم المواطنين.

أمام كل هذا البؤس الذي يسيء لكل المنجزات، لماذا لا يتم التفكير في مأسسة وزارة خاصة بالبؤساء الذين لا تعترف بهم الدولة ولا يعترف بهم المجتمع؟ لماذا لا يتم التفكير من الآن في “كفاءات بئيسة” للتنافس على هذه الوزارة التي باتت تفرض نفسها في كل حكومة دون حاجة إلى الإشارة إليها في الهيكلة؟

في المغرب، ليس هناك وزارة خاصة بإبهاج المواطنين أو وزارة للذكاء أو وزارة للسعادة، لكن يمكن أن تكون هناك وزارة بئيسة، على شرط أن تضع هذه الوزارة مخطط عمل طموح تتم المصادقة عليه في “المآتم” والحفلات الكئيبة، وتضع نصب عينيها إفساد فرحة كافة المواطنين، ويمكنها أن تفسد أي فرحة متوقعة امتداد سنوات العمل الحكومي، كما يخول لها إضفاء البؤس اللازم على أي برنامج حكومي وأي مبادرة وطنية، ويمكنها أن تتخذ تدابير مستعجلة لإفساد أي حدث وطني كبير.

في طنجة، كانت هناك واقعة مؤسفة ذهبت بأرواح مواطنين أبرياء في طريق البحث عن لقمة دامية للعيش غير الكريم، ونكدت على المغاربة فرحتهم المفترضة بانتصاراتهم الدبلوماسية والكروية، إنها مسؤوليتنا المشتركة. لذلك، كان لا بد لقضية مثل هذه أن تحظى بالأهمية في أشغال المجلس الوزاري المنعقد اليوم في انتظار تغيير ما يمكن تغييره.

لقد كان من الطبيعي أن يتم إحراج وزير الداخلية أمس في مجلس وزاري من طرف الملك محمد السادس بسؤال حول هذا الحادث المأساوي، ليكون الجواب هو ضرورة اتخاذ كافة الاحتياطات لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث، بالموازاة مع التحقيقات التي يتمنى الجميع خروجها إلى حيز الوجود.

hespress.com