نشرت مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية “راند” دراسة مطولة في حوالي 180 صفحة حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعنوان كتبته باللغات الإنجليزية والعربية والعبرية، هو “بدائل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.

وتولى إجراء الدراسة مركز السياسة العامة لمنطقة الشرق الأوسط بمؤسسة “راند”، وشارك فيها خمسة من الباحثين بالمؤسسة من الحاصلين على درجة الدكتوراه هم: دانيال إيجل، الباحث الاقتصادي المسؤول عن التحليلات الاقتصادية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وإعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب في سورية، ودعم عملية السلام في اليمن، وسي.روس أنتوني، الباحث الاقتصادي مدير المبادرة الإسرائيلية-الفلسطينية بمؤسسة راند، وشيرا إيفرون، متخصصة في تحليل السياسات تتركز أبحاثها على سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وريتا تي. كرم، كبيرة باحثين في مجال السياسات بمؤسسة البحث متخصصة في السياسات والمساواة التعليمية وتحسين البرامج، وماري فايانا، كبيرة محللي الاتصالات وتساعد في صياغة استراتيجية الاتصالات الخاصة ببرنامج الرعاية الصحية بمؤسسة راند، والسفير المتقاعد تشارلز رايس، الذي تتركز أبحاثه على اقتصاديات التنمية والتجارة. وقاد مشروعات خاصة بالتأثيرات الاقتصادية والسياسية لبريكست، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وصنع القرار الخاص بالأمن القومي.

وذكرت الدراسة أنه طوال عقود هيمن حل الدولتين للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني على الجهود الرامية إلى حل الصراع. وتثير الشكوك حول إمكانية نجاح هذا الحل التساؤل حول أي من البدائل، إذا توفرت، يمكن أن ينجح إذا ما حظي بالدعم الملائم من جانب المجتمع الدولي.

وقام باحثو راند بمقابلات مكثفة في المنطقة لجمع بيانات كمية ونوعية بشأن إمكانية النجاح بالنسبة لخمسة بدائل هي: الوضع الراهن، وحل الدولتين، والكونفدرالية، والضم، وحل الدولة الواحدة. وشملت الدراسة التعرف على آراء مفصلة لأكثر من 270 شخصا من فلسطينيي الضفة الغربية، وفلسطينيي غزة، واليهود الإسرائيليين، والعرب الإسرائيليين، في الفترة ما بين يوليوز 2018 وماي 2019.

ووفقا للدراسة، فإن أول هذه البدائل هو استمرار الوضع الراهن الذي ظهر في أعقاب اتفاقات أوسلو عام 1993، وهي مجموعة من الاتفاقات التاريخية التي بدأت عملية سلام بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية. واتسم الوضع الراهن بحكم ذاتي محدود، وتحكم أمني إسرائيلي متزايد، وتوسع مستمر في عدد المستوطنات. والبديل الثاني هو حل الدولتين، وهو البديل المفضل لدى المجتمع الدولي منذ عقود. ويشمل هذا الحل إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وتكون الحدود على أساس حدود ما قبل 1967 مع تبادل للأراضي لتعويض اراضي الضفة الغربية التي ستحول لإسرائيل للحد من إزالة المستوطنات، وإقامة بنية نقل لضمان حرية حركة الفلسطينيين داخل دولتهم الجديدة، وإصدار قرار بشأن وضع القدس، والتوصل إلى طريقة مقبولة من الجانبين بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.

والبديل الثالث الخاص بالكونفدرالية يكون هناك بمقتضاه دولتان (إسرائيل وفلسطين) أو ثلاث دول (إسرائيل والضفة الغربية وغزة) مستقلة وذات سيادة، تتعاون فيما بينها بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك عن طريق حكومة فدرالية.

أما البديل الرابع وهو الضم، تقوم إسرائيل بمقتضاه بضم بعض الأجزاء من الأراضي التي استولت عليها أثناء حرب 1967، مما يزيد من حجم أراضي إسرائيل، وفي ظل هذا البديل يحتفظ الفلسطينيون بحكم ذاتي مثل الوضع الراهن حيث تكون لهم السلطة على القضايا المحلية والأمن الداخلي، على الرغم من أنه من المحتمل أن تكون الأراضي التي سوف يمارس الفلسطينيون فيها السلطة غير مترابطة ويهيمن عليها عدد ضئيل من المراكز الحضرية.

ويقضي البديل الخامس الخاص بالدولة الواحدة بأن تكون هناك دولة واحدة تضم كل (أو معظم) الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وتختلف الاقتراحات المتنوعة لحل الدولة الواحدة بالنسبة لافتراضاتها فيما يتعلق بالطابع الديمقراطي للدولة الجديدة وما إذا كانت ستشمل غزة.

وكما أوضحت الدراسة، لم يحظ أي من هذه البدائل بالقبول من أغلبية من الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء. وكان حل الدولتين هو البديل الأكثر قبولا للتطبيق سياسيا، رغم أن كل الفئات الأربع التي شملتها الدراسة أبدت شكوكها تجاهه. وكان الوضع الراهن هو البديل المفضل من جانب اليهود الإسرائيليين ولكن قوبل بنفور شديد من جانب الفلسطينيين. أما البديل المفضل لدى فلسطينيي الضفة الغربية فقد كان حل الدولتين، بينما كان تفضيل فلسطينيي غزة لحل الدولة الواحدة أكثر بدرجة طفيفة من حل الدولتين.

وتبرز بيانات الدراسة عدم الثقة العميق والعداء الشديد لدى كل جانب تجاه الآخر. وأوضح عرب إسرائيل والفلسطينيون أن كل البدائل منحازة لصالح اليهود الإسرائيليين. ومن الصعب تخيل حدوث تغير في الاتجاهات الحالية وما يمكن أن تحققه ما لم تظهر قيادة قوية وشجاعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين والمجتمع الدولي لديها رغبة في تحقيق مستقبل أفضل للجميع.

وأوصت الدراسة بأنه نظرا لاحتمال أن يكون عدم الثقة بمفهومه الواسع هو أكبر عقبة أمام تحقيق السلام، فإن المشاركة الدولية التي تغرس التفاؤل والحماس لتحقيق السلام بين جميع الأطراف أمر ضروري، وينبغي أن تشمل ضمانات أمنية واقتصادية وإجراء حوار عام لتوجيه وتطوير التفكير بشأن البدائل المحتملة وتداعياتها.

وأشارت إلى أنه لن يكتب النجاح لأي بدائل للوضع الراهن بدون حدوث تحول في السياسات المحلية والدولية، والوضع الراهن، رغم نتائجه طويلة الأمد المحتملة، هو الخيار المفضل لدى يهود إسرائيل حاليا، ومع ذلك فإن هناك تأييدا قويا لحل الدولتين بينهم. ومن المرجح أن يكون التعريف بأنواع الحوافز التي يمكن توفيرها محليا ودوليا، لتشجيع الإسرائيليين على الاستعداد لاستكشاف حل الدولتين أمرا مهما لنجاح ذلك البديل. وذكرت الدراسة أيضا أنه من المرجح أن يكون تقديم ضمانات دولية للفلسطينيين أمرا ضروريا لأي حل سلمي للصراع.

وأكدت الدراسة أنه من الممكن أن يؤدي تنوير الإسرائيليين والفلسطينيين إلى اتخاذ القرار بصورة أكثر واقعية. فقد صرح بعض المشاركين في الدراسة بأن المناقشات الثرية خلالها أتاحت لهم اتخاذ قرار أكثر استنارة فيما يتعلق بالبديل المفضل لديهم، وذكروا أن هذه المناقشات أدت إلى تأييدهم لبديل مختلف في نهاية المطاف. ومن ثم، من الضروري أن تكون هناك حملة معلومات أوسع نطاقا بشأن القضايا الشائكة في الصراع، بما في ذلك المجالات الملموسة للتعاون مثل المياه والطاقة، وشبكات الطرق.

وخلصت الدراسة إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى مزيج من الضمانات الاقتصادية والأمنية بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، حتى يتمكنوا من التوصل إلى حل سلمي للصراع.

hespress.com