فاقدا حريته، ينتظر صاحب “معمل الموت” بطنجة، الذي لقي داخله 28 عاملا وعاملة حتفهم، تاريخ بداية محاكمته، الذي حددته السلطات القضائية في 9 مارس القادم، بينما يطالب حقوقيون مغاربة بتمكين “صاحب المصنع” من كل شروط المحاكمة العادلة، مع تمتيعه بظروف التخفيف، ومحاسبة باقي المسؤولين عن “فاجعة طنجة”.

وكان وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بطنجة أوضح أنه تقرر إيداع صاحب مصنع النسيج بطنجة، الذي لقي داخله 28 عاملا وعاملة مصرعهم غرقا، السجن المحلي ومتابعته في حالة اعتقال بتهم عديدة بينها “القتل غير العمد”، مبرزا أنه “إثر الفاجعة التي وقعت يوم الإثنين 8 فبراير 2021، والتي راح ضحيتها 28 شخصا، قامت الضابطة القضائية بطنجة بفتح تحقيق في الموضوع بناء على تعليمات النيابة العامة المختصة”.

وأحالت الضابطة القضائية المعني بالأمر، صاحب المصنع، المسمى “ع.ب”، على أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة، الذي أحاله بدوره على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بهذه المدينة للاختصاص.

ويتابع صاحب “معمل الموت” بتهم “التسبب في القتل غير العمد والجروح بدون عمد، وبسبب عدم مراعاة النظم والقوانين وخرق مقتضيات قانون الطوارئ الصحية، وفتح مقاولة بدون ترخيص وتشغيل القاصرين دون إذن وعدم مراعاة شروط الصحة والسلامة داخل المقاولة، طبقا للفصلين 432 و433 من القانون الجنائي، والفصل الرابع من مرسوم 23/03/2020 والفصول 135 و137و143 و147 و150 و281 و296 و548 من مدونة الشغل”.

ويشرح عبد الإله الخضري، المتخصص في الافتحاص وتدبير المخاطر، أنه “لا يمكن تجاهل أو تبخيس مسؤولية صاحب المعمل في ما جرى حتى أدى إلى وفاة ثمانية وعشرين من عمال المصنع، لكن في المقابل من العبث بل من قبيل اللاعدالة تجاهل مسؤولية بعض الأطراف الأخرى، مثل شركة أمانديس وبعض ممثلي السلطات العمومية، المخول لهم قانونا منح التراخيص أو مراقبة الأبنية والأنشطة المزاولة دون ترخيص”.

وتساءل الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس: “كيف يسمح لنفسه بأن يفرض على عشرات الأشخاص العمل داخل قبو، مع إقفال الباب عليهم بشكل محكم، ودون وجود منفذ إغاثة؟ هل يعتبر هؤلاء العمال والعاملات مجرد قطيع يخشى من فراره أم ماذا؟ ألم يكن حريا به تخصيص حارس أمن خاص ونظام أوتوماتيكي ومراقبة الدخول والخروج من المصنع بدل إغلاقه بهذا الشكل المريع، حتى إذا حصل طارئ يمكن إخلاء المحل في أقل من دقيقتين؟”.

كما قال الخضري إن “الأمر يرتبط بجهل مطبق بالمخاطر المحدقة بأرواح الناس”، مبرزا أن “هناك خروقات عديدة شابت البناية التي احتوت القبو الذي احتضن المعمل، الذي يروج أنه تم استغلاله بطريقة عشوائية وغير قانونية كوحدة للخياطة والصناعات النسيجية، فقد سبق وصرح أحد المستشارين الجماعيين بالمجلس الجماعي لمجلس طنجة، خلال حديث في برنامج حواري على أثير الإذاعة الوطنية، مساء الأربعاء 10 فبراير 2021، بأن عملية بناء الفيلا تشوبها العديد من الخروقات التقنية، كما أن العقار الذي بنيت فوقه يعتبر ملكا عموميا مائيا، بحكم أنه يوجد في مجرى وادي السواني بمدينة طنجة، وبالتالي لم يتم منح الترخيص بالبناء في تسعينيات القرن الماضي”.

وأوضح الحقوقي ذاته أن “صاحب الفيلا قام بعمليات البناء كاملة دون أن يتوفر على رخصة سكن حتى تاريخ وقوع الفاجعة، كما أنه لم يتم تسليمه أي رخصة لمزاولة نشاط مهني أو صناعي من طرف مصالح المجلس الجماعي؛ فيما تبقى علامة استفهام حول كيفية حصول الفيلا على الربط بالكهرباء والماء وقنوات الصرف الصحي”.

وقال المتحدث ذاته إن “شكوكا كبيرة تحوم حول مصداقية الوثائق المدلى بها بخصوص المصنع الذي وقعت به الفاجعة حسب المستشار الجماعي ذاته، وهذا أمر خطير نسمعه يحتاج إلى توسيع دائرة التحقيق”، وزاد: “وفي مقابل كل هذا علينا أن نعترف بأن أكثر من ثلثي المقاولات المغربية لا تتوفر على نظام تدبير المخاطر”، وتابع موضحا: “أماكن العمل وخاصة الأوراش الصناعية معرضة لمخاطر كثيرة ومتفاوتة الخطورة، وتحتاج إلى إعداد خريطة المخاطر (cartographie des risques) وترتيبها وفق معايير طبيعة ودرجة خطورتها وأهميتها وتكلفة مواجهتها ماليا وفنيا وزمنيا، وهو الدور المنوط بالخبير في مجال الافتحاص وتدبير المخاطر، إذ يتوج عمله، بعد القيام باختبار المقاولة بهذا الخصوص ومنحها شهادة ISO 31000 العالمية”.

hespress.com