التقطت المركبة الفضائية Cassini التابعة لناسا هذه الصورة للقمر الضبابي تايتن التابع لكوكب زحل في شهر يناير من عام 2013، عندما كان تبعد مسافة 895000 ميل (,1.44 مليون كيلومتر) عن القمر الكبير. (حقوق الصورة:NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute)
يمكن رؤية نفس الضباب الدائر حول قمر تايتن التابع لزحل يحوم حول كواكب خارجية مشابهة.
يعد قمر تايتن الكبير التابع لزحل واحداً من أكثر العوالِم المثيرة للاهتمام.
يضم هذا القمر أنهار وبحار هايدروكربونية التي يمكن أن تأوي نوعا غريبا من الحياة غريبة، إضافة لاحتوائه على محيط مائي تحت سطحه مباشرة حيث يمكن أن تعيش كائنات تشبه تلك التي تعيش على الأرض.
ويحتوي تايتن أيضاً على غلاف جوي سميك ممتلئ بالنيتروجين حيث من المعروف ظهور كيمياء معقدة البنية ما قد يؤدي لنشوء الحياة.
و لقد أقرّ العلماء حالياً أن الضباب الدخاني الحائم حول الكواكب الخارجية شبيهة تايتن سيكون ممكن الرؤية باستخدام الجيل القادم من التيلسكوبات الفضائية.
بينما تركز الأبحاث المتعلقة بالكواكب الخارجية جهودها لإيجاد كواكب شبيهة بالأرض، أراد أحد الفرق أن يعرف إن كان الجيل الجديد من الأجهزة قادرا على إيجاد عوالم يحتمل أن تكون صالحة للسكن لكنها شديدة التغيير عن عالمنا. وقد صنع الفريق باستخدام المحاكاة نموذجاً للعوالم شبيهة تايتن والتي تدور حول أنواع مختلفة من النجوم.
وقد عملوا على عوالم اشترط فيها أن تكون بعيدة بمسافة كافية لتسبب تكثف الميثان الموجود بها ولتستطيع الاحتواء على نسبة كافية و عالية من خليط الماء و الصخر وذلك لتستطيع نثر مركبات متطايرة اتجاه محيطها الجوي وهذا ما يمكن أن يؤسس لتشكل الضباب.
وقد كان أحد أوائل النجوم التي نمذجها الفريق هو نجم برنارد Barnard’s Star، وهو نجم قريب من الشمس ويستضيف كوكباً مرشحاً،حيث تبلغ كتلته ثلاثة أضعاف كتلة الأرض.
هذا العالم المحتمل المسمى بنجم برنارد ، يقع قرب الحد الثلجي للنظام،وهي المنطقة التي يمكن أن يتجمد فيها الماء وباقي الغازات، وحيث تتصلب كذلك المواد شبيهة الميثان.
وقد صرح عضوالفريق ريان فيلتون لموقع Space.com قائلا :”أردنا أن نعرف إن كان يمكن رصد هذا الكوكب عبر التصوير المباشر باستخدام LUVOIR الماسح الضوئي الكبيرالذي يعمل بالأشعة فوق البنفسجية”.
تعتبر ناسا التيلسكوب الفضائي متعدد الموجات الكبير LUVOIR مرصد المستقبل.
وقدم فيلتون Felton وهو طالب دراسات عليا في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية في واشنطن نتائج هذا المشروع شهر يناير في الاجتماع الشتوي نصف السنوي للجمعية الفلكية الأمريكية American Astronomical Society بهونولولو.
وقد وجد الفريق أن الضباب الشبيه بضباب التايتن يمكن أن يصبح مرئياً من الأرض باستخدام معدات شبيهة بمرصد LUVIOR .
وقال فيلتون: “بالنسبة للكواكب الخارجية التي تشبه تايتن فإن غلافها الجوي يعد قابلاً للتمييز باستخدام تيليسكوبات فضائية كبيرة.”
عوالم “منتفخة”
يسيطر على هواء تايتن النيتروجين، وقليل من الميثان، وكمية قليلة من الهيدروجين، وآثار من غازات أخرى.
أضاف الباحثين أنه عندما يرتفع النيتروجين والميثان لطبقات الجو العليا لتايتن، فإن ضوء الشمس والحرارة تباعد بينهما، مما يقود لتكوين جزيئات أكبر تنتج بدورها ضباباً في الغلاف الجوي مماثل للضباب الموجود فوق المدن الكبيرة على الأرض. ولأن حجم جزيئات الضباب يختلف باختلاف درجات الحرارة، فإن العوالم شبيهة التايتن التي تدور حول نجوم مختلفة يجب أن تحمل خصائص مختلفة.
في البداية صمم فيلتون وزملائه نموذجاً لعوالم تدور حول نجوم تشبه الشمس.
ولم يكن مفاجئاً أن هذه العوالم تشبه تايتن في الضباب والحجم وخليط الغازات، مع اختلاف واحد مهم وهو أن البحاثين أقاموا دراستهم على اعتبار تايتن قمراً.
فالاختلافات بين الاثنين كانت صغيرة،حيث أن عرض تايتن يمثل 40% من عرض الأرض وكتلته تساوي 2% من كتلتها.
لكن فيلتون قال أن هذا لم يشكل مشكلة حقيقية. فبمزيج مناسب من الماء والصخور فإن العوالم المساوية لحجم الأرض يجب أن تكون قادرة على التقاط الغاز على مسافة أكبر من المسافة التي تفصلها عن نجومها حيث توجد درجات حرارة أقل.
قال فيلتون: “أعتقد أن ذلك يحدث في نظامنا الشمسي فقط” حيث أن تايتن يشكل قمراً وليس كوكباً. وأضاف قائلاً أن الأنظمة التي تفتقر إلى الكواكب الغازية العملاقة في نفس المنطقة ستكون مؤهلة أكثر لاحتواء عوالم شبيهة بِتايتن.
و يعتبر عامل الوقت مهماً أيضاً. ففي الماضي احتوت الأرض على ضباب كثيف، لكنه لم يكن بكثافة ضباب تايتن اليوم. ويقول فيلتون أن هذا يعتبر دليلاً على وجود كواكب شبيهة بالأرض تمتلك ضباباً.
وقد صمم فيلتون وزملائه أيضاً نموذجاً لكواكب غنية بالضباب تدور حول نجوم أبرد. خفضت درجة الحرارة المنخفضة من العلو الذي يمكن للضباب أن يرتفع إليه في غلافها الجوي، رغم ذلك قال فيلتون أنه لم يكن الاختلاف كبيراً لدرجة تأثيره على محاولات تصوير هذه العوالم. وأضاف “يجب أن تبقى هذه العوالم منتفخة.”
وقد أثرت الحرارة المنخفضة أيضاً على الحجم الذي ستصل إليه جزيئات الضباب قبل سقوطها على الأرض. ففي النماذج الرقمية ارتبطت جزيئات الغاز مع بعضها في قمة الغلاف الجوي مكونة مونومرات (وهي جزيئات يمكن أن ترتبط ببعضها لتكوين البوليمرات). عند سقوطها في الهواء تبدؤ جزيئات الغاز بالتكتل مع بعضها مكونة مونومرات غير متماثلة في أشكال كسرية.
قال فيلتون : “يمكن أن يكون الشكل الكسري كمجموعة من حبات عنب مرتبطة مع بعضها،” (بالطبع إن حبات العنب أكبر بكثير من جزيئات الضباب.).
أثارت هذه الكسريات صداعاً بعقول الباحثين.وقد قال فيلتون أنه كان يعمل على نمذجة الضباب على هيئة أشكال كسرية بدلاً من كرات منذ العام 2016. ولم يتسنى له تحقيق ذلك حتى بلوغ عيد شكر عام 2019،حيث تمكن أخيراً من إنشاء محاكاة تستطيع وضع العوالم شبيهة التايتن في مدارات حول أنواع مختلفة من النجوم.
قال فالتون أن أكثر النجوم عتمة التي درسها العلماء هي الأقزام الحمراء، وهي نجوم باردة معروفة بنشاطها الكبير في الاحتراق الشديد خصوصاً عندما تكون حديثة النشوء (شابة). ولأن الأقزام الحمراء معتمة جداً فإن على كواكبها أن تدور حولها بمسافات أقرب لتصلها نفس درجات الحرارة التي تصل عند الدوران حول النجوم التي تشبه الشمس، مما يجعلها عرضة للاحتراق. و يمكن أن تقلل درجات الحرارة المنخفضة من كثافة الضباب، مما يقلل من قدرتها على حماية الكوكب من الإشعاعات القادمة، ما يمكن أن يؤثر على قابليتها للسكن.
نجم برنارد Barnard’s Star هو قزم أحمر يبعد حوالي 6 سنين ضوئية عن الشمس. سنة 2018 ،وجد الباحثون كوكباً باردا وضخما شيببهاً للأرض يدور حول هذا النجم المعتم القريب. البيئة الباردة غير المؤكدة لهذا الكوكب المحتمل يمكن أن تمكنه من جمع غازات مثل التي يحتويها تايتن عند تشكله، ما يسمح له بحفظ ضبابه في أيامنا هذه.
وبين الأقزام الحمراء والنجوم شبيهة الشمس هناك ما يسمى بنجوم “ك” K-stars
فطبقاً لدراسة جديدة فإن ضباب هذه العوالم شبيهة التايتن التي تدور حول نجوم “ك” يمتاز بتشكله في طبقات منخفضة، وحجم جزيئات أصغر من تلك التي تتكون في العوالم الدائرة حول النجوم شبيهة الشمس.
وقال فيلتون “تعتبر هذه النجوم نقطة المنتصف”.
مع الجيل القادم من التيليسكوبات الفضائية قد يتمكن علماء الفلك من سبر العوالم الغنية بالضباب التي تدور حول الأنواع الثلاثة من النجوم. قد تكشف الرؤى التي يستخلصونها الكثير عن أجواء هذه الكواكب، مما يساعد الباحثين في فهم أفضل لنوع مختلف من البيئة القابلة للسكن أكثر من العوالم التقليدية التي تشبه الأرض.
وأضاف فيلتون “إذا حصلنا على مرصد LUVOIR سنكون قادرين على تمييز هذه الكواكب.”