كرّست حركة عشرين فبراير لامركزية الاحتجاج المغربي، الذي كان محصورا في مركز الرباط-الدار البيضاء قبل “الربيع الإقليمي”، إذ شملت الوقفات الميدانية مختلف ربوع التراب الوطني، بعد انخراط مختلف التنسيقيات المحلية والجهوية في الديناميكية الاحتجاجية عام 2011.

وعرفت مجموعة من المدن زخما احتجاجيا كبيرا وقتذاك؛ بينها طنجة التي تصدرت قائمة الحواضر الكبرى من حيث الحشد الجماهيري المُنادي بإنفاذ المطالب السياسية والاقتصادية، فيما شهدت مدن صغرى كذلك العديد من المسيرات والاعتصامات المحلية شرق وجنوب البلاد.

ورغم “خفوت” حركة عشرين فبراير في السنوات الأخيرة، إلا أن روحها مازالت حاضرة بالشارع المغربي، من خلال الأشكال الاحتجاجية المتنوعة التي تتم أجرأتها على أرض الواقع بشكل يومي، سواء تلك التي ترفع شعارات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، بل حتى ذات المطالب الشخصية.

احتجاجات وطنية

عبد الرحيم المرابط، الناشط الحقوقي المغربي، أكد أن “حركة عشرين فبراير قادها شباب المغرب بشكل عام، ما أضفى عليها بعدا وطنياً، فهي لم تقتصر على محور الدار البيضاء-الرباط فقط، وإنما خرجت جل المدن المغربية من أجل التعبير عن مطالبها المتنوعة”.

وأوضح رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بفاس-سايس، في حديث مع هسبريس، أن “احتجاجات عشرين فبراير شملت أكثر من 60 مدينة مغربية؛ بينها مدينة فاس، بعد انضمام مختلف التنسيقيات إلى الحراك الاحتجاجي، فيما توسعت الاحتجاجات لتشمل أزيد من 100 منطقة يوم 20 مارس”.

وشدد الحقوقي ذاته على أن “الاحتجاجات لم ترتبط بالمركز فقط، بقدر ما ارتبطت بجميع مناطق المغرب، لأن المطالب المرفوعة آنذاك مسّت مختلف ربوع التراب الوطني، وهي مطالب ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية في أوج ما عرف بالربيع العربي”.

مسيرات محلية

إبراهيم رزقو، الفاعل الحقوقي بمدينة زاكورة، أورد أن “إقليم زاكورة شهد مظاهرات احتجاجية حاشدة عام 2011 على غرار بقية المدن المغربية، شملت كل الفئات الاحتجاجية دون استثناء، بما فيها الشيوخ؛ بل ظلت المسيرات التصعيدية متواصلة كل يوم أحد طيلة ستة أشهر في إطار لجنة عشرين فبراير”.

وأبرز رزقو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الهيئات النقابية والجمعوية والحقوقية مازالت تخلد ذكرى حراك عشرين فبراير كل سنة”، ثم زاد: “لكن وقع الفتور ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة، رغم الاحتقان الكبير وسط السكان، ما مرده إلى مجموعة من المسببات على الصعيدين المحلي والوطني”.

وأشار رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بزاكورة إلى أن “اعتقالات الريف وجرادة وزاكورة نفّرت المواطنين من الاحتجاج، بسبب المحاكمات الصورية للنشطاء، وعودة سنوات الجمر والرصاص مؤخرا، من خلال متابعة الصحافيين والحقوقيين والمدونين والأساتذة بمجرد التعبير عن رأيهم في مواقع التواصل الاجتماعي”.

حراك شبابي

نجيبة قسومي، الناشطة الحقوقية بمدينة طنجة، لفتت إلى أن “حركة عشرين فبراير بالمغرب خرجت من رحم الشعب كباقي الحركات الاحتجاجية السابقة التي تهدف إلى تحسين الوضع الحالي للوطن؛ كما جاءت نتيجة الحراك العربي التي عاشته المنطقة ككل بسبب القهر والتفقير والسياسات اللاشعبية، بما يشمل شمال إفريقيا”.

وأوردت قسومي، في حديث مع هسبريس، أن “طنجة كانت من بين مدن المغرب الكبرى التي عُرفت بالاحتجاج السلمي رغم الأعداد الكبيرة للمحتجين الذين كانوا يخرجون إلى الشارع للاحتجاج عبر مسيرات يرفعون فيها الشعارات نفسها التي ميزت المدن الأخرى، وتتلخص في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”.

وتابعت المتحدثة ذاتها بأن “احتجاجات المدينة رفعت أيضا شعارات محلية تهدف إلى الإصلاح الترابي الخاص بالإقليم، خاصة ما يتعلق بمسألة التدبير المفوض لبعض القطاعات، وخلق مناصب شغل مبنية على خصوصية الإقليم، فضلا عن إقالة كل المنتخبين آنذاك”، ومضت شارحة: “لا تغيير دون شباب فاعل في المجتمع؛ لهذا كان الشباب الطنجاوي في الموعد رغم أنه لم يتصدر المشهد الإعلامي بسبب المركزية الإعلامية التي سلطت الضوء على محور الرباط والبيضاء فقط، ومع ذلك اختار الشباب أن يتجند لربح الرهان المحلي”.

“حرص شباب الحركة على السلم والأمن العام خلال المسيرات رغم اختلاف تلاويننا السياسية بهدف إنجاح المرحلة، وتحقيق التغيير بانتزاع بعض المكتسبات للمواطن الطنجي؛ من بينها فرض حرية التعبير، إذ أصبح الشارع محررا وقابلا لاحتواء الاحتجاجات الاجتماعية، بعد أن كان هاجس الخوف والرعب يحكم صفوف الشباب”، تقول قسومي.

وخلصت المتحدثة إلى أن “الحراك العشريني كان له الفضل في بروز بعض الوجوه الشابة المناضلة التي كانت دائمة متابعة لمستجدات الساحة السياسية والمجتمعية”، خاتمة: “خضنا تجربة لم تكن بالمستوى المطلوب بسبب انعدام النضج السياسي عند الشباب، لكن ذلك لا ينفي أن الشباب هو دينامو أي حراك، ولا يمكن لأي تغيير أن ينجح دون وعي الشباب بضرورة الانخراط الفعال والهادف إلى تغيير حقيقي داخل المجتمع”.

hespress.com