الأربعاء 24 فبراير 2021 – 08:02
لأننا مواطنون صالحون يفترض بنا أن نخاف من التعبير عن حبنا لوطننا على مواقع التواصل الاجتماعي، ويفترض أن نحب وطننا بالنوايا لا بالأفعال والأقوال..علينا أن نسكت مثل “الشياطين الخرساء” ونحن نتابع متخصصين في التجارة الإلكترونية والورقية وهم يكشفون عوراتنا أمام العالم على طريقتهم، ويفبركون الوقائع، ويزورون التاريخ والحاضر والمستقبل.
لأننا نؤمن بهذا الوطن، ولأننا نفرح للمنتخب الوطني، وتهتز مشاعرنا للنشيد الوطني، علينا أن نستتر..علينا أن نقول: “الله الوطن الملك” في قرارة أنفسنا، وإلا تعرضنا لأبشع أنواع القصف، بدعوى أننا “عياشة” و”مخزنيون” و”مخبرون” وماسحو أحذية من النوع الرديء؛ علينا أن نحتقر كل عمل وطني وإلا تم اتهامنا بالعمالة للماسونية، والنازية البائدة.
علينا أن نمارس التقية، ونستهلك ما يتم إملاؤه علينا من طرف قنوات مفبركة على “يوتوب”، تقودها شخصيات وهمية، ونجوم الخيانة الناعمة التي لم تعد تنطلي على أحد، أو شخصيات باعت وطنها لنجومية مفبركة ومدخول هزيل من حصص جلد الذات، حيث تبدو الحصص المصورة مثل إعلانات مجانية للاتجار بالبشر..حيث يتحول تقرير المصير إلى دعوة للتمرد الجماعي، وتبدو حقوق الإنسان مجرد شماعات لنشر الغسيل، وتتحول اداعاء الحرية إلى شعارات فضفاضة لإغراق المواطنين المغلوبين على أمرهم في دائرة الشك.
نحن لسنا صحافيين، ولا حتى أشباه صحافيين، والمغاربة ليسوا مواطنين، نحن فقط مستهلكون لما تمليه علينا بعض الكائنات الافتراضية، التي لا تشترك معنا المصير نفسه، ولا الوطن نفسه.. علينا أن نسكت لأننا نؤمن بإمكانية إصلاح المؤسسات المعطوبة، علينا أن نستهلك ما يملى علينا، لكي نتحول إلى مجرد مخيم للاجئين، علينا أن نتنكر للتاريخ والجغرافية والمقاومة والحركة الوطنية، ولآبائنا وأجدادنا، ونمسح السماء بمنديل.. لكي يرضى عنا النشطاء.
نعم، هناك بطالة، وهناك تخلف في بعض المناهج الدراسية، وهناك جهل وهناك محسوبية وزبونية.. وتخلف سياسي لبعض التنظيمات الحزبية التي تمارس الابتزاز بدل المساهمة في تسيير الشأن العام، وهناك بعض الأخطاء في هذه المؤسسة أو تلك؛ لكن أهل مكة أدرى بشعابها، ومن ثم فإن المغرب ليس ذلك البلد الذي يتحدث عنه بعض نشطاء “يوتوب” من الخارج، والداخل، مقابل مداخيل غير معلنة، في إطار النشر غير الصحافي.
نعم، السب والقذف له جمهوره، والتظاهر بالمعارضة أسهل بكثير من إبداء الروح الوطنية، لكن لا يصح إلا الصحيح، وبلد مثل المغرب لا يمكن هدمه بمجرد الظهور على “يوتوب”، واستعمال عبارات لا محل لها من الإعراب، مثل “تحية للمغاربة الأحرار”، وكأن الأستاذ والجندي والطبيب والطبيبة والممرضة، ورجال الأمن والخضار والجزار والحرفيين، عبيد في بلاد بعيدة ولا كرامة لهم. نعم هناك ضرورة للتغيير هنا والآن، لكن أي تغيير من خارج المؤسسات هو انتحار في زمن اللوبيات العابرة للقارات والمصالح..حفظ الله المغرب من كل شر.