يعتبر الدكتور ناصر بوشيبة أن الصين، في الوقت الحاضر، تتصدر العالم في البحث العلمي في مجال إنتاج عقاقير القنب الهندي، كما تتفوق في براءات الاختراع في المجالات ذات الصلة على الغرب.
وارتباطا بتوجه الحكومة الحالية بالمغرب إلى تقنين إنتاج القنب الهندي، يرى بوشيبة، الباحث في العلاقات الإفريقية الصينية بمعهد السياسة والإدارة العمومية بجامعة صن يات سين بكوانكزو، أنه من الضروري إدماج معاهد البحث العلمي والشركات والمزارعين للقيام بالتجارب اللازمة لملاءمة المحاصيل مع الطلب العالمي.
كما يقترح الكاتب، في مقال له، إيفاد بعثات علمية إلى مراكز الأبحاث الصينية لتبادل التجارب، ولم لا جلب استثمارات الشركات الرائدة في تصنيع عقاقير الطب التقليدي الصيني، خاصة إذا ثبت تفوق جودة المنتج المغربي على نظيره الصيني.
وهذا نص مقال الباحث:
تعتبر جمهورية الصين الشعبية من الدول الأكثر صرامة في ما يخص القوانين الردعية ضد تجار ومستعملي المخدرات. وينص القانون الصيني على أن أي شخص يهرب أو يبيع أو ينقل أو يصنع أكثر من 200 غرام من الهيروين أو الميثام فيتامين أو أي مخدرات أخرى، يُعاقب عمومًا بالسجن المؤبد أو الإعدام (مع وقف التنفيذ لمدة عامين)، ومصادرة جميع الممتلكات الشخصية؛ ومن 50 إلى 200 غرام تتراوح العقوبة من 15 سنة إلى المؤبد؛ فيما تتراوح العقوبات بشأن كميات من غرام واحد إلى أقل من خمسين غراما بين المشاركة الإجبارية في برامج إعادة التأهيل وعقوبة سجنية أقل من 15 سنة.
ويرجع سبب هذا التشدد بالأساس إلى حرب الأفيون بداية القرن التاسع عشر، حين أجبرت بريطانيا العظمى الإمبراطورية الصينية آنذاك على السماح للتجار الإنجليز ببيع الأفيون للمواطنين الصينيين، ما أدى إلى إضعاف المجتمع وجعله لقمة صائغة أمام جيوش المستعمر الأوروبي. لن ينسى الصينيون هذه الإهانة، وسارعوا بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 إلى إنزال شديد العقاب بكل من ثبت تعاطيه للمخدرات بجميع أنواعها.
ورغم هذا السياق التاريخي، سمحت الحكومة الصينية خلال السنوات الأخيرة لمقاطعتين (نظير الجهة في المغرب) بزراعة نبات القنب الهندي بغرض الاستخدام الصناعي أو القنب الصناعي. ومنذ يناير 2010، كانت مقاطعة يونان (Yun Nan) الواقعة بمحاذاة “المثلث الذهبي” للاتجار الدولي بالهيروين السباقة إلى إصدار أحكام خاصة للترخيص لزراعة القنب الصناعي ومعالجته وبيعه. ووفقًا للبيانات التي قدمها مكتب مكافحة المخدرات التابع لمكتب الأمن العام لمقاطعة يوننان، منذ عام 2010، فقد وافقت الحكومة المحلية على زراعة أكثر من 15000 هكتار من القنب الصناعي في 13 مدينة و38 قرية.
وبعد نجاح هذه التجربة، وعام 2017، تم السماح لمقاطعة هي لونغجيانغ (Hei Longjiang) شمال الصين بمراجعة “لوائح حظر المخدرات” للسماح بزراعة القنب الصناعي واعتماد إدارة خاصة لزراعته ومعالجته وبيعه. ونظرا للطلب الهائل من طرف مصانع الأدوية الصينية التقليدية، التي تعتمد بالأساس على الأعشاب الطبية، قررت حكومة هي لونغجيانغ وضع برنامج لتطوير أكبر محطة عالميا لمعالجة محاصيل التعاونيات المحلية عام 2021، بقدرة إنتاجية تبلغ 70000 طن من أجسام القنب، و10000 طن من بذور القنب، و10000 طن من المعالجة العميقة لزهور الأوراق، و300000 طن من الاستخدام الشامل للسيقان، ما سيمكن من خلق سلسلة صناعية متكاملة عموديا من الزراعة إلى المعالجة ثم التسويق فالبيع.
يمثل إنتاج القنب الصناعي المستخدم بشكل أساسي للألياف أو الزيت في الصين حوالي 50٪ من الإنتاج العالمي. ومن بين الأصناف المرجعية الحالية للقنب التي يتم الترويج لها في المقاطعتين أعلاه يملك صنف “القنب المتوسط رقم 1” مزايا أكبر، إذ تبلغ نسبة القنب في السيقان أكثر من 20٪ مع امتلاك مقاومة قوية للأمراض. وحتى في ظل ظروف مناخية سيئة، يمكن أن يصل إنتاج الألياف إلى 170 ~ 190 كيلوغرام/مو (مو = 666,66 متر مربع).
وتطمح الصين إلى أن تصبح رائدة في استخلاص وتصنيع الكانابيديول (CBD) الذي يعرف رواجا كبيرا في الدول الغربية، نظرا لنتائج الأبحاث المشجعة في معالجة الصرع ومرض باركنسون والزهايمر والاكتئاب وأورام المخ. وحسب نتائج بحث قام به معهد أبحاث المحاصيل الاقتصادية التابع لأكاديمية يونان للعلوم الزراعية، الذي نشر في 28 سبتمبر 2018، يحتوي المنتوج المحلي على 2.09٪ من الكانابيديول (CBD)، و0.14٪ من تتراهيدروكانابينول (THC)، وهو ما اعتبره البحث أعلاه ضعيفا مقارنة مع المتوسط العالمي.
وفي الوقت الحاضر، تتصدر الصين العالم في البحث العلمي في مجال إنتاج عقاقير القنب، كما تتفوق في براءات الاختراع في المجالات ذات الصلة على الغرب. وبما أن هناك توجها من الحكومة الحالية في بلدنا إلى تقنين إنتاج القنب الهندي، فمن الضروري إدماج معاهد البحث العلمي والشركات والمزارعين للقيام بالتجارب اللازمة لملاءمة المحاصيل للطلب العالمي، بالإضافة إلى إيفاد بعثات علمية إلى مراكز الأبحاث الصينية لتبادل التجارب، ولم لا جلب استثمارات الشركات الرائدة في تصنيع عقاقير الطب التقليدي الصيني، خاصة إذا ثبت تفوق جودة المنتوج المغربي على نظيره الصيني.
من الضروري كذلك المضي في تعزيز التشريعات ذات الصلة وتدابير الإشراف لمنع تغيير وجهة استخدام القنب الصناعي. ومن يدري فقد تصبح هذه الزراعة، التي كانت دائما تحت سيطرة أباطرة الاتجار الدولي بالمخدرات، رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للعديد من المناطق في بلدنا، تعاني ساكنتها من الهشاشة والفقر والتهميش.