البشرى السارة هي أن الاقتصاد الأمريكي يستعد لأشهر من الانتعاش في الربيع، عندما يكون جزء كبير من السكان قد تلقوا اللقاح ضد “كورونا”؛ لكن النبأ السيء هو أن هذه الحيوية الاقتصادية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

ويخشى بعض خبراء الاقتصاد والأسواق عودة للتضخم الذي واجهته الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي. ويتساءلون إن كان سيتعيّن عليهم إضافة صفر، إن لم يكن صفران، إلى سعر قارورة الحليب؟

لماذا يتوقعون ارتفاعا في الأسعار؟

بسبب تضافر عوامل عديدة يمكن أن تشكل مزيجا قابلا للانفجار. فسيشهد الاقتصاد انتعاشا تدريجيا اعتبارا من الربيع، بفضل حملة التطعيم، ولأن جزءا من الأمريكيين – الأكثر ثراءً – لديهم الكثير من الأموال لإنفاقها.

منذ عام، لم يسافر هؤلاء المواطنون الأمريكيون المنتمون إلى هذه الشريحة الاجتماعية كثيرا، وارتادوا المطاعم والحانات وصالات الرياضة بشكل قليل؛ وهو ما مكنهم من توفير المال.

من جهتها، وزعت الحكومة الفيدرالية الأمريكية تريليونات الدولارات من الأموال العامة بما في ذلك شيكات مرسلة إلى الأسر أو زيادة في إعانات البطالة أكثر سخاء.

وبات معدل الادخار في الولايات المتحدة، الذي كان يتراوح بين 7 و8 في المائة قبل الأزمة، يبلغ الآن 20,5 في المائة.

والشرارة ستكون، حسب خبراء الاقتصاد، حزمة التحفيز الجديدة التي يريدها جو بايدن، وأقرها مجلس النواب السبت، ويفترض أن يتبناها الكونغرس في الأيام المقبلة. وستؤدي الحزمة، البالغ قدرها 1,9 تريليونات دولار، إلى زيادة مدخرات الأسر التي ستكون مستعدة لسحب الأموال واستخدام البطاقات المصرفية فور تمكنها من الخروج بأمان.

في مواجهة هؤلاء المستهلكين أصحاب الجيوب الممتلئة، فإنه من غير المؤكد أن يكون العرض كافيا لتلبية الطلب. لذلك، سيكون هناك تضخم في الاقتصاد. والنتيجة هي أن الأسعار يمكن أن ترتفع بشكل كبير.

وتبدو قطاعات محددة أساسا تحت الضغط؛ مثل صناعة السيارات، التي تواجه أيضا نقصا عالميا في الرقائق الإلكترونية التي تمنع المصانع من العمل بكامل طاقتها.

ماذا سيكون تأثير التضخم؟

إذا كان هذا الارتفاع المحتمل في الأسعار كبيرا جدا واستمر فقد يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للعائلات.

وقال غريغوري داكو، المحلل لدى مجموعة “أكسفورد إيكونوميكس”، إن “ما نخشاه هو دوامة تضخمية (…) نستهلك فيها اليوم خوفا من ارتفاع الأسعار غدا”.

وهذه حلقة مفرغة يغذي فيها التضخم نفسه، ويخرج عن السيطرة.

كيف يمكننا التعامل مع الأمر؟

يقول غريغوري داكو إن الرد الرئيسي “يقع بالكامل في ملعب الاحتياطي الفيدرالي”، الذي يقوم بمهام البنك المركزي.

ويفترض أن تنهي هذه المؤسسة المالية، التي تتمتع بنفوذ كبير، سياسة دعم الاقتصاد التي تتبعها مع شل الاقتصاد بسبب الوباء.

فمن جهة، سيكون على الاحتياطي الفيدرالي إغراق الأسواق بالسيولة عبر عمليات إعادة شراء أصول. ومن جهة أخرى، سيتعين عليه رفع أسعار الفائدة الرئيسية شبه المعدومة حاليا. ولهذه المعدلات تأثير على مختلف الائتمانات والقروض التي تمنحها المصارف التجارية للأفراد والشركات.

وبطبيعة الحال، سيحد رفع سعر الفائدة من الاستهلاك الذي يمثل وحده ثلثي إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة.

هل الاحتياطي الفيدرالي جاهز للعمل؟ كرر رئيسه جيروم باول، هذا الأسبوع، أن المؤسسة ستواصل دعمها للاقتصاد؛ لأن سوق العمل لا يزال بعيدا عن التعافي.

وشدد باول على أن معدل البطالة الحقيقي هو عشرة في المائة عندما يؤخذ في الاعتبار العاطلون عن العمل الذين توقفوا عن البحث عن وظيفة، وهي نسبة أعلى بكثير من المعدل الرسمي البالغ 6,3 في المائة.

وقال المسؤول ذاته للبرلمانيين، الأربعاء الماضي، إن الأسعار سترتفع بالتأكيد لأشهر عديدة؛ لكن “هذا أمر مختلف عن تضخم مرتفع دائم لا نتوقع رؤيته”.

وأكد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن ارتفاع الأسعار سيكون أمرا لا مفر منه؛ ولكن ليس التضخم الجامح والخروج عن السيطرة الذي شهدته البلاد في سبعينيات القرن الماضي، بعد صدمة النفط.

hespress.com