“بيوسف” ليست قرية نائية أو مهجورة، بل تقع بالقرب من الطريق الجهوية رقم 317، في منطقة تشتهر بتربية المواشي وبمنتجات فلاحية مهمة، من ضمنها التفاح، لكن الدخول إليها سيجعلك تشعر بأنك قد دخلت إلى أرض نائية أتلفها الزمن الغابر، على الرغم من أن الحياة تنبعث من بين ثنايا أزقتها الضيقة وبيوتها شبه الطينية.

في “بيوسف” التابعة لجماعة ناوور بإقليم بني ملال، بالكاد تحافظ المباني على نمط الهندسة المعمارية التقليدية. فمع زحف الإسمنت، سارعت العشرات من الأسر إلى تحديث بيوتها بطرق “عشوائية”، ما جعل الدروب والأزقة تفتقر إلى الجمالية.

في تصريحات متطابقة لهسبريس، أكد الأهالي أن رجال السلطة والمنتخبين لا يزورون “بيوسف” إلا خلال فترة الانتخابات، حيث يتم إثقال كاهل القرية بالوعود، فيما تسهر عيون أعوان السلطة على تنفيذ باقي المهام عن بعد. وهي للإشارة سياسة القرب الوحيدة التي يستفيد منها السكان، وفق ما أوردته التصريحات.

بإقليم بني ملال، قد تتعدد الصعوبات التي يعاني منها سكان الجبل بالنظر إلى مواقع قراهم، جراء نوعية التضاريس، لكن بدوار بيوسف تبقى الإشارة إلى أن مقطعا طرقيا بطول 1800 متر هو الذي حوّل حياة السكان إلى جحيم لم ينته بعد، ما جعل بعض الأشياء البسيطة كنقل “الحاجيات اليومية” تشكل مشكلة حقيقية.

في هذه القرية، يقول ويخلف اخلف، من أبناء الدوار: “يسهر السكان على تربية المواشي وزراعة الخضروات والأشجار المثمرة كالزيتون والتفاح، ما يتطلب التنقل الى المراكز المجاورة لتسويقها، لكن بالنظر إلى وضعية هذا المقطع الطرقي، تبقى مختلف هذه المنتجات مهددة بالكساد”.

ويضيف: “إن السكان رغم إمكانياتهم البسيطة والظروف الصعبة التي ولدوا وكبروا فيها، فإنهم راضون بحياتهم، يقتسمون خيرات المنطقة، ويواجهون بتضامن قساوة الطبيعة ووعورة الجبال، ولا يطلبون المعجزات؛ إذ تختزل مطالبهم في الربط بالماء الشروب وإصلاح هذا المقطع الطرقي لمواصلة الحياة التي وجدنا عليها أجدادنا بأسلوب أفضل”.

وانتقد مراد أوعمر، أحد سكان الدوار، سياسة الوعود الكاذبة، وفشل المنتخبين في تنزيل ما وعدوا به، مؤكدا على أن “زمن التسويف قد ولى، والمواطن أضحى واعيا بحقوقه وواجباته. وعليه، فإن أي حملات انتخابية مقبلة بأسماء انتهازية وضعيفة، لن يقبلها الدوار”.

وقال إن “العشرات من الأطفال والنساء الحوامل والمرضى يجدون صعوبة في التنقل إلى أقرب مركز بالمنطقة لقضاء أغراضهم أو لتلقي العلاجات، كما أن السكان يجدون صعوبة في نقل المرضى على مسافة 1800 متر من أجل الاستفادة من خدمات وسائل النقل”.

وأوضح أعبي ناصر، ستيني من بيوسف، أنه ابتداء من شهر يونيو من كل موسم فلاحي، يجد السكان صعوبة في جلب مياه الشرب من الينابيع المجاورة، حيث يتم “كراء الماء” من طرف المزارعين لسقي ضيعات التفاح، داعيا إلى “تسيير معقلن للماء”، مشيرا إلى أن “الوضع يزداد سوءا في الشتاء، حيث تنقطع المياه بسبب التساقطات المطرية التي تتلف القناة الحالية التي تربط بين الدوار والمنبع”.

وكشفت نسوة، فضلن عدم ذكر أسمائهن، عن معاناتهن مع الماء الشروب، مشيرات إلى أنهن في أوقات التساقطات الثلجية يعتمدن على مياه الثلوج، وفي الصيف تزداد محنتهن جراء ضعف صبيب مياه الشرب، ما يجعلهن يقطعن مسافة طويلة لجلب هذه المادة الحيوية من منبع قريب للدوار.

واستغرب المتحدثون لهسبريس وعود المسؤولين واجترارهم للأجوبة نفسها بخصوص هذا المقطع الطرقي منذ سنة 2018، قائلين إن “حبل الكذب قصير، والمطلب باق والساكنة لن تدخر جهدا في الدفاع عن حقها حتى لو اقتضى الأمر إيصال الرسالة بكل الطرق المتاحة والقانونية إلى العاهل المغربي، ملك الفقراء”.

ويطالب سكان دوار بيوسف، الواقع على ارتفاع حوالي 1450 مترا عن سطح البحر في منطقة تتميز بقساوة البرد والثلوج، السلطات المختصة بالتدخل من أجل الإسراع بإصلاح المقطع الطرقي الرابط بين الطريق الجهوية رقم 317 والدوار، الممتد على مسافة 1800 متر، مع ربط المنازل بشبكة الماء الشروب لإنهاء رحلة الجحيم في البحث عن الماء، وبالتالي استغلال “ثروات” المنطقة.

 وفي معرض تعليقه، أوضح بناصر وعريبة، رئيس جماعة ناوور الترابية، أن المجلس الجماعي يعي أهمية هذا المقطع الطرقي وحاجيات سكان دوار بيوسف إليه، وقد جرى إنجاز الدراسة الخاصة به، وسيتم الإعلان عن الصفقة في غضون شهر يونيو من العام 2021.

وذكر الرئيس أن المشروع يندرج في إطار شراكة بين المجلس الإقليمي والجهوي، وكان من ضمن برامج عام 2020، وقد تأخر بسبب جائحة كورونا، مؤكدا أن الملف لدى الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع ومن المحتمل جدا أن يتم تنفيذه قريبا.

وبخصوص مطلب الماء الشروب، أكد الرئيس أن جهودا تبذل في هذا الإطار مع باقي الشركاء، مشيرا إلى أن الجماعة انتهت من حفر ثقب مائي بعمق أزيد من 120 مترا دون بلوغ المراد بسبب ضعف الفرشة المائية بالدوار، مطمئنا الساكنة بأن مشروعا آخر للمكتب الوطني للكهرباء سييتم الشروع فيه قريبا.

hespress.com