رغم مضي أسبوع على قرار المملكة قطع العلاقات مع سفارة برلين في الرباط إلا أن مسببات هذا البرود الدبلوماسي الجديد مازالت مجهولة، إذ فضلت المصالح الخارجية المغربية التكتم عن أسباب اعتماد قرار القطيعة، بينما يظهر بجلاء أن هناك تراكم تحفظات للرباط من قرارات ألمانيا، خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية.

ويبدو أن دخول بعض الأطراف الخارجية في مسلسل الأزمة بين الرباط وبرلين قد يعقد مهام إعادة الاتصال بين الدولتين، خاصة أن الجزائر تحاول أن تلعب بورقة “الجمود الدبلوماسي” وخفض التواصل بين المغرب وألمانيا من أجل ضرب مصالح المملكة في برلين.

وكانت الرباط تنتظر تفاعلا من أعلى مستوى من الجانب الألماني في قضايا الصحراء وملف القاصرين والإرهاب، لكن برلين أظهرت تريّثا وتباطؤا في ردّها على استفسارات المملكة، بينما شكّلت خطوة الطعن في قرار واشنطن الاعتراف بمغربية الصّحراء، النقطة التي أفاضت كأس “الجمود” الدبلوماسي بين ألمانيا والمغرب، وهو ما سينعكس على التفاهمات المحققة في الجانب الاقتصادي والسّياسي.

وكان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، راسل رئيس وأعضاء الحكومة، وطالبهم بتعليق كل الاتصالات والعلاقات المؤسساتية مع السفارة الألمانية في المغرب، بسبب ما اعتبرها “خلافات عميقة” تهم قضايا محورية للمملكة المغربية.

ودعا الوزير ذاته في المراسلة عينها “الإدارات الوزارية وجميع الهيئات التي تخضع لإشرافها إلى وقف جميع أشكال الاتصال أو التفاعل أو التعاون، على أي حال أو بأي شكل من الأشكال، سواء مع السفارة الألمانية في المغرب أو مع منظمات التعاون الألماني والمؤسسات السياسية المرتبطة بها”، مبرزا أن “أي استثناء من هذا التعليق لا يمكن أن يتم إلا على أساس اتفاق مسبق مع وزارة الخارجية”.

الدكتور محمد الطيار، الخبير في العلاقات الدولية، قال إن “هناك اعتقادا أصبح يترسخ بأن ألمانيا أصبحت بشكل ملحوظ تعرقل كل موقف أوروبي موحد لصالح المغرب بشأن قضية الصحراء”، مبرزا أن “هناك تراكما يبين الموقف الألماني المعاكس لمصالح المملكة في ما يخص وحدتها الترابية، إذ أعلنت برلين، ما مرة، خلال تجديد الاتفاق البحري، مواقف ضدّ المغرب في ما يخص ضم مياه الأقاليم الصحراوية إلى الاتفاقية”.

وأوضح الخبير ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الالكترونية، أنه “كانت هناك إشارة واضحة إلى سعي ألمانيا إلى معاكسة حق المغرب في وحدته الترابية، فخلال عام 2019 استقبل الرئيس الألماني السابق هورست كولر أميناتو حيدر ببرلين”، وزاد: “تناقلت وسائل إعلام جزائرية تصريحات أميناتو الانفصالية وروجت لها بشكل كبير. وفي العام نفسه قامت النائبة البرلمانية الألمانية كاتيا كول، التي لها علاقة وثيقة بالأمن العسكري الجزائري، وتقوم بحملة كبيرة داخل البرلمان الألماني لصالح العسكر الجزائري، (قامت) بتزوير وثيقة ادعت أنها تعود للبرلمان الألماني، تعتبر أن البرلمان يساند الانفصال في الصحراء”.

ويقف المحلل ذاته عند “تهميش ألمانيا للمغرب خلال جولات الحوار بشأن الملف اللّيبي، إذ استدعت الجزائر وأقصت المملكة بشكل واضح في جلسات ليبيا؛ مع علمها أن الليبيين يرفضون أي تدخل جزائري في ليبيا”، وزاد موضحا: “تواجد الرّئيس تبون في الديار الألمانية وطول مقامه في برلين يُبين أن هناك تنسيقا وثيقا ما بين الاستخبارات الألمانية والأمن العسكري الجزائري”.

كما قال المحلل ذاته إن ألمانيا “تسعى إلى سحب حق الفيتو من فرنسا داخل مجلس الأمن ليصبح لصالح الاتحاد الأوروبي، في صراع مكشوف”، متوقفا عند الموقف الفرنسي المساند داخل مجلس الأمن، وأضاف: “ألمانيا بمعاكستها فرنسا داخل مجلس الأمن تدخل في صراع غير مباشر مع المغرب”.

وختم المتحدث تصريحه بالقول: “المبادلات التجارية بين الجزائر وألمانيا ضعيفة لا تتجاوز 3 مليارات أورو، وبرلين تحاول أن تدخل بشكل كبير مشاريع الطاقة في الجزائر، وهي تقوم بمشاورات لإحياء مشروع ديزرتيك للطاقة الشمسية”، مردفا: “قرار المغرب وقف الاتصال مع سفارة برلين إشارة واضحة إلى ضرورة إعادة النظر في هذا المسلسل الذي بدأته قبل سنتين، سواء من خلال استقبال الانفصاليين أو رفع الأعلام الوهمية وتنظيم أنشطة داخل التراب الألماني”.

hespress.com