يسعى كتاب جديد إلى معالجة “قضية المرأة المغاربية” من أبعاد مختلفة، وفق مقاربات متعددة، للبحث في موقع المرأة في تصورات النخب المغاربية، واستيعاب الرؤية القانونية للمرأة في هذه الدول، ومدى تمتعهن بحقوقهن في المشاركة السياسية، ومدى تفعيل قوتهن الاقتراحية، وفعالية دورهن في “قيادة المجتمع المدني نحو مزيد من المكتسبات المدنية والحقوقية”.

جاء هذا في كتاب جديد، متوفر رقميا مجانا، معنون بـ”المرأة المغاربية بين مساعي التمكين وإكراهات الواقع – دراسات متكاملة”، من تنسيق الباحثتين حنان النحاس ونجاة العماري، صدر عن منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث.

وشارك في هذا الكتاب باحثات وباحثون، هم: خلود السباعي، وصباح العمراني، ومحمد توفيق الرقبي، وفؤاد منصوري، وحامي حسان، و فاطمة الزهراء رمضاني، وحمو محمد، ومحمد الصافي، والسعدية قجي.

ويجد القارئ في هذا الكتاب الجماعي أبحاثا حول النساء والأمومة والتحولات الاجتماعية المعاصرة، انطلاقا من حالة أمهات الأطفال في وضعية إعاقة، وقراء في تجربة نظام المحاصصة “الكوتا” في المغرب والجزائر، وقضايا المرأة في التناول العرفي والشعبي انطلاقا من نموذج القِوامة.

كما يضم هذا الكتاب أبحاثا عن المرأة في علاقتها بالمسألة الاجتماعية في السياسات العمومية الجزائرية من نهاية الألفية الثانية إلى سنة 2018، والحقوق السياسية للمرأة الجزائرية في ظل الإصلاحات القانونية والحراك الاجتماعي، ومكانة المرأة الحسانية في المخيال الاجتماعي بالصحراء، والمرأة المغاربية في خضم التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويتحدث الكتاب الجديد، في تقديمه، عن تطور إسهام المرأة المغاربية في عملية التنمية، وكونه “مسألة تستحق التوقف والمتابعة، وتتطلب بذل جهود من طرف كل الفاعلين من أجل الحفاظ على مكتسباتها على مختلف الأصعدة، بشكل يخدم خطط وإستراتيجيات التنمية المغاربية الشاملة”.

ويزيد الكتاب: “يمكن القول إن حركة المرأة المغاربية قد شهدت تطورا كبيرا تمثل في ارتفاع نسبة مساهمتها في النشاط الاقتصادي والعملي والثقافي، وارتفاع نسبة النساء المتعلمات، الشيء الذي أثر إيجابا على وعيها في الدفاع عن حقوقها ومكتسباتها عبر المؤسسات المهنية والحقوقية، التي عرفت انتشارا واسعا في دول المغرب العربي”.

وارتبطت مظاهر التطور هذه، وفق المصدر نفسه، بـ”تحولات اجتماعية واقتصادية مهمة، إلا أنها اصطدمت بالبنى الثقافية والفكرية السائدة، بالرغم من إقرار عدد من القوانين والتشريعات الخاصة بحماية حقوق المرأة، التي تحفز وتشجع تقدمها ومشاركتها في الحياة العامة”.

ويسجل تقديم الكتاب الجماعي أنه رغم تشابه الملامح العامة لواقع المرأة المغاربية، وتقارب نسب الحضور النسائي في المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي، يبقى لكل بلد مغاربي “مميزاته التاريخية والسياسية والثقافية، حيث تتحكم عوامل كثيرة في تسريع أو تبطيء مسار النهوض بأوضاع النساء في كل بلد من هذه البلدان؛ من بينها: الإرادة السياسية للحكومات، ونضج وفعالية المجتمع المدني، وجرأة المشرّع في سَنّ قوانين تضمن المساواة”.

ويرى الكتاب أنه في خضم التحولات الاجتماعية والثقافية راكمت الدول المغاربية “مسارا حقوقيا وتشريعيا ساعد في تحسين وضعية المرأة، من قبيل تضمين الدساتير مبدأ المساواة بين الجنسين، والتصديق على الاتفاقيات الدولية الخاصة برفع كل أشكال التمييز ضد المرأة، وإصلاح مدونات الأسرة والأحوال الشخصية، وتعديل قوانين الجنسية…”.

وتستمر، مع هذا، مطالبة الحركات النسائية بتعديلات وإصلاحات لبعض مدونات ومجالات الأحوال الشخصية، وتستمر معاناة نسبة كبيرة من النساء المغاربيات من الفقر والهشاشة، والحرمان من حقوق التعليم والتمكين الاقتصادي، ولا تزال الهوة كبيرة بين روح التشريعات ونمط الممارسات التي تفرزها البنية الثقافية المهيمنة.

ويبرز أيضا، حسب الكتاب الجماعي، دور الفكر في تقوية موقع المرأة وإنصافها؛ وهو ما يستدعي التساؤل حول “الدور الذي تقوم به النخب الفكرية والسياسية في تجويد الرؤية الناظمة لعلاقة المرأة بمحيطها، والتساؤل عن طبيعة وحدود الأفكار المستنيرة التي يمكن أن تسهم في رفع ثقل التأويلات الدينية والتاريخية عن المرأة، الناتجة عن الاحتكار الذكوري لأمور الدين والمجتمع من جهة، تساعد على مجابهة الأفكار المهيمنة للمرأة”.

الصعوبات التي تواجهها النساء المغاربيات، مثل باقي نساء المنطقة العربية، في اقتحام الحياة العامة والسياسية وضمان تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في الولوج إلى مواقع القرار، تتطلب وَفق الكتاب: “مواصلة الجهود المبذولة قصد فهم أعمق للبناء الاجتماعي والثقافي للعلاقات بين الجنسين في الحياة الخاصة والعامة، واعتماد سياسات إصلاحية تضمن المساواة بين الفئات الرجالية والنسائية”.

hespress.com