في خضم الفوضى الداخلية وحالة “الانقسام” بين القوى السياسية، تحاول الجزائر إيجاد موقع قدم لها في مالي، التي تعيش اضطرابات سياسية واجتماعية متراكمة منذ أكثر من 10 سنوات، حيث جدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استعداد بلاده “لمساعدة دولة مالي على استعادة استقرارها والتحضير للانتخابات التي ينتظرها الشعب المالي”.
وقال الرئيس تبون في تصريح له عقب المحادثات التي جمعته بنظيره المالي، باه أنداو، إن اللقاء “شكل فرصة استقبلنا من خلالها رئيس دولة مالي الذي يؤدي زيارة عمل وصداقة إلى بلادنا وتهنئته على عودة الهدوء والسكينة في بلاده”. وتحاول الجزائر استغلال الوضع الهش في مالي من أجل تنفيذ أجندتها الخارجية والإقليمية، وسد الطريق أمام بعض القوى الأوروبية للدخول إلى الساحة المالية.
ولطالما اعتبرت الجزائر، التي تعرف مخاضا داخليا بعودة الاحتجاجات الشعبية إلى الشوارع، أن “حل الأزمة في مالي لن يتم إلا بالاتفاق مع الجزائر”، بينما تستعد قوى أوروبية للدخول في سياق الأزمة المالية، من أجل دعمها ماليا وإنسانيا، وهو ما سيشكل تحديا إضافيا للجزائر التي لها حدود “شاسعة” مع الدولة المالية.
ولعبت المملكة دورا هاما في تحقيق الانفراج داخل مالي، حيث تدخلت بآلياتها الدبلوماسية “اللينة” لإعادة ترتيب الوضع الداخلي في دولة إفريقية تجمعها معها روابط مهمة وحساسة، ولذلك تعمل على تعزيز الاستقرار والحوار وعدم التوجه لخيارات سياسة فرض الأمر الواقع في مالي حتى لا تتحول إلى مستنقع ممتد في منطقة الساحل والصحراء.
وقال المحلل والخبير في العلاقات الدولية هشام معتضد إن “التقارب الجزائري المالي يندرج في إطار سعي القيادة الجزائرية إلى إيجاد منفذ جيو-استراتيجي إفريقي جنوب الصحراء من أجل إنقاذ وجودها الهش وغير المستقر على مستوى الساحل الإفريقي”.
ووضح معتضد فكرته قائلا: “رغم عدم تحمل مسؤوليتها الإقليمية على مستوى امتدادها الجنوبي، تحاول الجزائر تمويه الرأي العام الإفريقي وتجاوز فشلها في عدة ملفات في المنطقة، وذلك بتعبئة دبلوماسيتها وأذرعها الإعلامية خلال الزيارة التي يقوم بها إلى الجزائر الرئيس المالي باه نداو”.
وشدد الخبير ذاته على أن “رهان الجزائر على إيجاد موطئ قدم في مالي على حساب اتفاق السلام بين الفصائل المالية والحكومة بمنطقة كيدال، هو رهان فاشل على جميع المستويات، وخاصة فيما يتعلق بإيجاد دور إقليمي فعال وإيجابي للجزائر ويخدم المصالح المالية لتنفيذ خطوات الاتفاق”.
وأضاف أن “التراجع الدبلوماسي الكبير الذي عرفته الجزائر على المستوى الإقليمي والإفريقي يدفع حكام قصر المرادية إلى استغلال أي تطورات إقليمية من أجل خلق مناورات لخلط الأوراق للبحث عن منافذ جديدة للعب أدوار ولو على حساب اضطرابات سياسية وأمنية لدول مجاورة على غرار مالي”.
وأورد المحلل ذاته أن الجزائر لا تعتبر مالي فقط جزءا مهما في عمقها الاستراتيجي أو ورقة هامة لدعم أمنها الاستراتيجي والقومي، وإنما منطقة تأثير جد حساسة في سياستها الخارجية ومدخلا جيو-استراتيجيا هاما ورئيسيا للدبلوماسيتها في إفريقيا.
واستطرد الخبير ذاته بأن “تخوف الجزائر من حضور وازن لقوى إقليمية مؤثرة على غرار فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في مالي، يدفعها إلى النزول بكل ثقلها واستخدامها لكل الوسائل المتاحة من أجل الاستفراد بملفات ذات وزن استراتيجي على الساحة السياسية لمالي.”