تقع الجماعة الترابية سيدي احساين أوعلي ضمن النفوذ الترابي لسيدي إفني، مشكلة منذ التقسيم الإداري الأخير النقطة الحدودية الفاصلة بين إقليمي تزنيت وسيدي إفني، وكذا بين جهتي كلميم وادنون وسوس ماسة.
وتمتد بلدة سيدي احساين أوعلي على مساحة شاسعة تحدها جماعات الركادة والأخصاص وأيت بوفولن وسيدي مبارك وأيت الرخاء وتكانت، مكونة من عدة داووير تتوزع غالبيتها بالمنطقة الجبلية؛ فيما تتمركز التجمعات السكانية الأخرى ضواحي قرية ميرغت المتواجدة على مقربة من الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين شمال المملكة وجنوبها.
الزائر لهذه الجماعة سيكتشف حجم الإهمال والتهميش الذي تعانيه ساكنتها، خصوصا منها القاطنة في الشق الجبلي التي تجد نفسها مرغمة على تكبد عناء السفر لكيلومترات طويلة قصد الاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية وقضاء الأغراض الإدارية.
عزلة قاتلة
في وقت يضم مركز الجماعة مختلف الخدمات الضرورية، يجد آلاف المواطنين بجبال سيدي حساين أنفسهم أمام خيار واحد، وهو التنقل اليومي إلى “ميرغت” من أجل قضاء حاجياتهم الإدارية أو ولوج خدمات المركز الصحي القروي، شأن الأطفال الراغبين في مواصلة مسيرة التعلم بالمستويين الإعدادي والثانوي.
تصريحات متطابقة استقتها جريدة هسبريس من مواطنين حول هذا الموضوع، عبروا من خلالها عن حجم العزلة التي تعانيها معظم الدواوير الجبلية بالمنطقة بسبب سياسة الآذان الصماء التي يواجه بها المجلس الجماعي مطالبهم، الرامية إلى تقريب الخدمات العمومية من الساكنة، خصوصا المتعلقة بالتمدرس والصحة، باعتبارهما من أهم ضروريات العيش ومحفزات الاستقرار بالوسط الجبلي.
وأشار المتحدثون إلى أن الصعوبة البالغة التي وجدها المستهدفون من الحملة الوطنية للتلقيح منذ انطلاقتها أكبر مثال حي على عزلتهم القاتلة التي يضطرون معها إلى الاستعانة بسيارات النقل السري، ضمانا للوصول إلى المركز الصحي، وبالتالي الاستفادة من الحقنة، هذا في وقت يتلقى مواطنون بجماعات مجاورة التلقيح بالقرب من منازلهم، حيث توجد ملحقات لمؤسسات صحية.
شبح العطش
رغم استفادتها من المشروع المغربي البلجيكي الذي شمل تزويد منطقة الاخصاص والجماعات المجاورة لها بالماء الصالح للشرب، مازالت العديد من دواوير سيدي احساين أوعلي تواجه شبح العطش بين الفينة والأخرى، خاصة خلال فصل الصيف الذي تزداد فيه حاجيات الساكنة من هذه المادة الحيوية.
ويرجع هذا الإشكال وفق إفادات عدد من المتضررين إلى طريقة توزيع الماء من طرف مصالح المكتب الوطني، عن طريق نظام السقاية الذي تراه الفئة المستهدفة غير عادل ولا يلبي احتياجاتها بشكل كاف يمكنها من الاستفادة بطريقة متواصلة.
“في وقت واجهت المصالح المعنية مطالبنا بوعود متعلقة بتثنية القنوات القادمة من سد يوسف بن تاشفين بمنطقة ماسة، فإن هذا الملف مازال على حاله إلى حدود اليوم أمام عجز المنتخبين عن الترافع عنه، لهذا فمياه الأمطار تبقى الحل الوحيد والأوحد للتخفيف من معاناتنا”، يورد متحدث لهسبريس.
تنمية مؤجلة
زيارة جماعات مجاورة بإقليم سيدي إفني ومقارنتها بسيدي حساين وعلي تحيلك على أن هذه الأخيرة توجد خارج زمن التنمية، خصوصا في الجانب المتعلق بالبنية التحتية والمرافق الحيوية التي تغيب بشكل ملحوظ عن المنطقة، وعلى رأسها الطرق المتهالكة الطاغية على البلدة.
ورغم إمساك الرئيس الحالي للجماعة زمام التسيير منذ سنة 2004، إلا أن بصمة التنمية تبقى مؤجلة إلى وقت غير معلوم، في وقت عزت فعاليات جمعوية التأخر التنموي الذي تعيشه المنطقة إلى الحسابات السياسية الضيقة والجهل بأبجديات التدبير.
وفي هذا السياق يرى العربي أرموش، الفاعل الجمعوي بالمنطقة، أن الأسباب وراء توقف قطار التنمية منذ سنوات بسيدي احساين أوعلي يرجع بالأساس إلى غياب سياسة التواصل بين المجلس الجماعي والساكنة وانعدام ترافع المنتخبين لدى الجهات المختصة والمصالح الخارجية، من أجل تنزيل مشاريع قائمة بذاتها؛ فضلا عن الحسابات السياسية والحزبية التي تطغى على الإستراتيجية المعتمدة في تدبير الشأن العام المحلي وما لها من أثر سلبي في عرقلة النهوض بأوضاع المنطقة.
وأضاف المتحدث ذاته في تصريح لجريدة هسبريس أن “من بين الأسباب أيضا كون أغلبية الأعضاء الجماعيين أميين ولا يعرفون مالهم وما عليهم في مجال التدبير، إلى جانب عدم احترام برنامج عمل الجماعة والسهر على تنزيله بشكل سليم، إضافة إلى إقصاء المجلس للمجتمع المدني والدور المهم الذي أضحى يضطلع به على الصعيد الوطني باعتباره شريكا أساسيا وقوة اقتراحية مساهمة في الدفع بعجلة التنمية”.
وأوضح العربي أرموش أن “التقسيم الإداري الأخير اغتنم بشكل جيد من طرف عدة جماعات بسيدي إفني، وجدت متنفسا جديدا على مستوى الإقليم والجهة من أجل جلب مشاريع مهمة للمنطقة، وبالفعل وفقت في ذلك”، وزاد مستدركا: “غير أن جماعة سيدي احساين أوعلي شكلت استثناء في هذا الجانب، إذ لم تبادر إلى حدود اليوم في أخد زمام المبادرة والانخراط في مسلسل التنمية أسوة بجيرانها، وهو ما نتمنى تداركه مستقبلا”.
الشباب هو الحل
“حديثنا عن المنطقة وما تعانيه من إكراهات بالجملة وحاجياتها المتعددة لتكون في مصاف الجماعات التنموية لا يعني نهائيا أننا ضد مدبري الشأن المحلي كأشخاص، وإنما بصفات المسؤولية التي يتحملونها، لهذا فنقدنا هو من أجل المصلحة العامة وليس نقدا هداما”، يورد أرموش في تصريح لهسبريس.
واعتبر الفاعل الجمعوي ذاته أن “وضع سيدي إحساين أوعلي في سكة التنمية الصحيحة أضحى اليوم مقرونا بمنح الثقة للشباب خلال الاستحقاقات القادمة، ودعمهم وتشجيعهم عوض عزلهم وتهميشهم وتصريف المغالطات عنهم وزرع التفرقة بينهم على أساس السهل والجبل؛ غير هذا فإن البلدة ستبقى على حالها المعهود إلى أجل غير مسمى”، وفق تعبيره.
الرئيس لا يجيب
من أجل استقاء رأي الجهات المسؤولة حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية منذ يوم الجمعة الاتصال بإبراهيم ضهيوير بصفته رئيسا لجماعة سيدي احساين أوعلي لثلاث ولايات متتالية، غير أن هاتفه ظل يرن دون مجيب، رغم إشعاره بفحوى الاتصال عن طريق منصة التراسل الفوري “واتساب”، ليبقى بذلك الجواب عن سؤال التنمية بهذه المنطقة ومعه هموم وتطلعات ساكنتها معلقا إلى إشعار آخر”.