الجمعة 2 أبريل 2021 – 01:43
للنقاش حول القاسم الانتخابي وجهان: وجه تقني يتذرع بضرورة منح الأحزاب الأخرى فرصة الظهور والمشاركة، والحدّ من وجود حزب واحد أغلبي مهيمن انتخابيا، ووجه سياسي غرضه تحجيم الوزن النيابي لحزب المصباح، الذي ظلّ منذ تأسيسه معزولا بسبب طابعه “الإخواني”، ولم ينفع تصدره الانتخابات في إدماجه الطبيعي في الحياة السياسية، وجعله حليفا للسلطة، وخلق تحالف حقيقي بينه وبين الأحزاب الأخرى التي يشاركها في الحكومة. وتتجلى عزلة “البيجيدي” في تحالف جميع الأحزاب مع السلطة حاليا من أجل التخلص منه، وكذا تصويت الجميع في عدد من القضايا ومشاريع القوانين في اتجاه، وبقاء “البجيدي” وحده في اتجاه آخر.
طبعا تعكس هذه الوضعية ورطة السلطة التي خلقت “البيجيدي” منذ ما يقرب من ربع قرن، خلقته لحسابات ظرفية لا علاقة لها بالديمقراطية والحق في المشاركة، بل لحاجات سلطوية في مواجهة المعارضة اليسارية وحتى اليمينية المحافظة ممثلة في حزب الاستقلال، لكن سياق 2011 جعلت الحزب “الإخواني” تحت رئاسة بنكيران يعتقد في قدرته على تجاوز التعاقد السابق مع السلطة، أي تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له، والنتيجة فقدان ثقة “المخزن” والفشل في كسبه حليفا داخل دواليب الدولة، فحلم “الإخوان” في كل بلدان الجوار الإقليمي هو البقاء على كراسي الترأس والحُكم لأطول مُدة ممكنة، حتى يتسنى لهم وضع أطرهم في كل المجالات وتطويق الإدارة والاستيلاء على مراكز النفوذ والثروة والقرار، لكن ذلك لم يتحقق على الوجه الذي كان مرسوما، لا في المغرب ولا في تونس، أما في مصر فقد جلب هذا الطموح الجامح إلى السلطة خراب كبيرا على معسكر “الإخوان” الذين أعيدوا في مصر إلى عهدهم الحجري، ونشروا بعد سنوات من التأمل مؤخرا بيانا دوليا صادرا عن ما سموه “المكتب العام للإخوان المسلمين” يعترفون فيه بأنهم أخطأوا التقدير والسلوك “خلال مرحلة الثورة والحكم”.
لكن إذا كانت السلطة المغربية في ورطة مع “البيجيدي” فإن الحزب “الإخواني” المغربي أيضا في ورطة كبيرة ، لأنه ظلّ وفيا لنهج طالما نبهناه في السنوات السابقة إلى خطئه، وهو اختزال الديمقراطية في الأرقام والعدد ومنطق الأغلبية والأقلية، والاعتقاد بأن الصناديق وحدها كفيلة بجعل طرف ما يستحوذ على كل شيء في الدولة ويفعل في الناس ما يريد، وأشرنا لأكثر من مرة إلى أن الديمقراطية ليست مجرد آليات بل هي أيضا قيم ومبادئ، أي أنها تعتمد الكَيف وليس مُجرد الكمّ وحده، ولهذا فهي تربية قبل كل شيء، ما يجعل من غير الممكن لأي طرف أن يعتمد الآليات التقنية مفصولة عن قيمها ومبادئها الكونية، ما دامت الديمقراطية تدبيرا سلميا للتعددية، واحتراما لحقوق الأقليات أيضا، وما دامت الكتلة الناخبة للحزب الأغلبي لا تعني مطلقا أن لديه أغلبية الشعب بجانبه. كما أن الطريقة التي تم بها كسب الكتلة الناخبة نفسها لـ”الإخوان”، والتي اعتمدت في الغالب على الفقر والجهل ومعاكسة حقوق الإنسان في مجتمع تغلب عليه الأمية، لا تساعد على تطوير التجربة الديمقراطية لهذا البلد أو ذاك، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم على رعاية الفقر وتوزيع الصدقات، ولا على حساب عدد المقاعد في غياب الوعي المواطن والسلوك المدني لدى غالبية المواطنين.
إن عيوب الديمقراطية التمثيلية تظهر أكثر من خلال تجارب الأحزاب “الإخوانية” في العديد من البلدان، لكن رغم ذلك لا يبدو أن الدرس قد تم استيعابه على الوجه المطلوب، فقد استطاع “البيجيدي” رفع عدد مقاعده سنة 2016 رغم فشله الحكومي الذريع، لكن الطرق التي تم بها إذلاله وإخضاعه وتوظيفه في ملفات وقضايا كثيرة أدت في النهاية إلى تفككه وفقدانه روحَه الإيديولوجية، ما يظهر عدم جدوى التعويل على العدد والأرقام في نظام سياسي مثل النظام المغربي، الذي يستعمل اليوم نفس آلية الإخوان للقضاء عليهم، وهي آلية اعتماد الكمّ والعدد والأرقام انطلاقا من اعتماد قاسم انتخابي لعدد المسجلين لا المصوتين.
هل يساهم هذا النقاش حول القاسم الانتخابي في تطوير التجربة الديمقراطية المغربية ؟ طبعا لا ، لأنه مُجرد إجراء ظرفي لحلّ مشكلة ظرفية لا تهُم المغاربة وهي تواجد حزب بمرجعية أجنبية داخل الحياة السياسية المغربية، وكذا لتطبيق نهج سلطوي معروف لدى ذوي القرار في المغرب، وهو عدم قبولهم بوجود قوة سياسية تستمر على رأس الحكومة لأكثر من ولايتين. أما الحديث عن “إعطاء فرصة لأحزاب أخرى” لم تعط نفسها أية فرصة لأن تتطور أو تتقوى بعملها الميداني في عمق المجتمع، فهو مجرد كلام لا معنى له، ولا يمكّن من استعادة الثقة في المؤسسات، ولا في إعطاء مصداقية لعملية الاقتراع التي تظل بلا روح إلى أجل غير مسمى.