يشهد البحث العلمي في مجال السوسيولوجيا بالمغرب، خلال السنوات الأخيرة، تطورا مهما على المستوى الكيفي؛ لكن تأثير مخرجات البحث السوسيولوجي على الحياة العامة لا يزال متواضعا.. ذاك ما خلُصت إليه ورقة بحثية لعبد اللطيف كيداي، أستاذ علم الاجتماع، عميد كلية علوم التربية بالرباط.
يشير كيداي، في مستهل ورقته البحثية، إلى أن انطلاقة البحوث الجامعية في المغرب كانت متأخرة مقارنة بدول أخرى من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل مصر والجزائر، حيث تأسست أولى الجامعات في هذين البلدين على يد المستعمر في 1908 و1909 على التوالي، ونُشر أول عمل في علم الاجتماع في القاهرة عام 1924 على يد نقولا حداد.
وفي المغرب، تأسست أول جامعة عام 1957، وتأسس معهد علم الاجتماع سنة 1961 بمساعدة اليونسكو، وبدأت شعب علم الاجتماع والفلسفة تنتشر بالتدريج بعد سنوات من الحذر الذي ميز حقبة السبعينيات والثمانينيات، كما يوضح كيداي، لافتا إلى أن أغلب الجامعات المغربية تشهد، اليوم، زخما هائلا من الطلبة والأساتذة في تخصصات السوسيولوجيا.
وعلى الرغم من الزخم الذي يشهده البحث في مجال السوسيولوجيا بالمغرب، فإن المقاربات المنهجية المعتمدة تبدو محدودة جدا، حيث لا تتجاوز الأبعاد الوصفية للمتغيرات، ولا تتسم بالعُمق المطلوب، لمحدودية طبيعة الأدوات المحدودة في البحث، وفق الاستنتاجات التي خلُص إليها كيداي.
وعلى مستوى تأثير الأبحاث المُنجزة ومواكبتها للتحولات المجتمعية ومساهمتها في صناعة المستقبل، اعتبر الأستاذ الجامعي أنه من الصعب الحديث عن مستوى معين من التأثير، في غياب سياسة واضحة لنشر الأطروحات الجامعية ورقيا وإلكترونيا.
هذا الوضع لا يحُد فقط من تأثير البحوث المنجزة؛ بل إن عدم نشر الأطروحات يجعلها مهددة بالاختفاء ولا تساهم في مواكبة الدينامية التنموية والمجتمعية بالمغرب، باستثناء بعض الأطروحات التي تدخل في إطار بعض الشراكات مع مؤسسات الدولة.
ويُرجع الباحث كيداي سبب ضعف تأثير الأطروحات إلى افتقادها إلى النجاعة التدخلية؛ ذلك أن الباحث يعد الأطروحة “من أجل نيل شهادة وليس المساهمة في مراكمة البحث العلمي أو اقتراح حلول”، إضافة إلى “هيمنة البعد النظري والفلسفي على الأطروحات في العلوم الاجتماعية”.
وثمة إشكالات أخرى تحد من تأثير الأطروحات، تتعلق بعدم قدرة الباحث على اختراق مواضيع جديدة تفرض على الباحث القيام بمجهود كبير، سواء من ناحية اللغة أو من الناحية الموضوعاتية أو من الناحية المنهجية، وضعف تأطير الطلبة الباحثين وتكوينهم في مرحلة إعداد الأطروحة، وغياب الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص والمؤسسات العمومية.
في هذا الإطار، يرى كيداي أن هناك ضرورة للتجديد المنهجي في العلوم الاجتماعية، مشيرا إلى أن التحولات المتسارعة التي يعرفها المجتمع تفرض على الباحث اعتماد مقاربات جديدة في للبحث، خاصة في تناول موضوعات جديدة تتسم بالجدة والتعقيد في العديد من جوانبها، في مقابل عُسر منهجي ناتج عن الاعتماد على المناهج الكلاسيكية في دراسة بعض القضايا الجديدة؛ مثل مجتمع الشبكات، وجائحة كورونا، والهجرة، والتنقل.. وغيرها من الموضوعات.