يعتقد العلماء بأن هالة كروية متوهجة من انبعاث الأشعة السينية تنتج من المادة المظلمة حول مركز درب التبانة.
حقوق الصورة: تصور فني أنجزه كل من: كريستوفر دِسِرت Christopher Dessert وبنجامين ر. سافدي Benjamin R. Safdi ونيكولاس ل. رود Nicholas L. Rodd وزوسيا روستوميان Zosia Rostomian من مختبر بيركلي، بناءً على بيانات من تلسكوب Fermi Large Area.


لم يعثر العلماء الذين يقومون بدراسة إشارة غريبة من مجرات بعيدة على المادة المظلمة Dark Matter كما كانوا يأملون. ولكن، من شأن التقنية الجديدة المبتكرة التي استخدموها لالتقاط هذه الإشارة الغريبة، والتي تستخدم مجرتنا للبحث عن المادة المظلمة، أن تُحسن من البحث عن هذة المادة صعبة المنال.

يبحث العلماء عن المادة المظلمة منذ عقود من الزمن، وهي مادة غير مرئية لا تتفاعل مع الضوء ولكنها تتخلل كوننا بأكمله. وقد منحت إشارة قدمت من مجرة قريبة اكتُشفت خلال دراسة أًجريت في عام 2014 الأمل للعلماء بأن هذا هو الدليل الذي طال انتظاره على وجود المادة المظلمة.

تتوقع بعض النماذج الحالية بأن جزيئات المادة المظلمة تتحلل ببطء بداخل المادة العادية، وقد ينتج عن هذه العملية انبعاثات ضئيلة للفوتونات بإمكان تلسكوبات الأشعة السينية رصدها. وقد اكتشف العلماء عام 2014 انبعاثاً لأشعة سينية من مجرة خلال عملية بحث عن المادة المظلمة، حيث من المعروف أن المادة المظلمة تتجمع حول المجرات.

يقول الكاتب المشارك في الدراسة كريس ديسرت Chris Dessert من جامعة ميشيغان لموقع Space.com: “يعتقد الباحثون بأن الانبعاث الذي يعرف باسم خط 3.5 كيلو إلكترون-فولت “3.5 keV line” يتكون على الأرجح من نيوترينوات عقيمة Sterile Neutrinos والتي كان يُعتقد لفترة طويلة بأنها المادة المظلمة“.

إن النيوترينوات العقيمة هي جزيئات افتراضية من عائلة النيوترينو Neutrino الذي هو جسيم دون ذري محايد تقارب كتلته الصفر بشدة، يتم إطلاقها خلال التفاعلات النووية مثل تلك التي تحدث في المفاعلات النووية على كوكب الأرض وفي الشمس. ولأنه لا يمكن تفسير الكتلة الضئيلة في النيوترينو باستخدام النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات Standard Model of particle physics فإن البعض يعتقد بأن النيوترينوات العقيمة قد تكون هي ما يشكل تلك الكتلة الغامضة التي هي في الواقع المادة المظلمة.

ولكن في هذه الدراسة الجديدة للأجسام في درب التبانة والتي قامت بتحليل كمية هائلة من البيانات الخام على مر السنوات العشرين الماضية من تلسكوب الأشعة السينية الفضائي X-MM-Newton، وجد الباحثون دليلاً على أن هذه الإشارة التي تم رصدها خلال الدراسة التي أُجريت في 2014 لم تكن قادمة من المادة المظلمة، في الواقع، لم يروا الإشارة على الإطلاق عند استخدامهم لتقنيتهم الجديدة خلال البحث عن المادة المظلمة. ورغم ذلك، قال الباحثون إن هذا لا يستبعد النيوترينوات العقيمة كمرشح قوي للمادة المظلمة.

وللوصول إلى هذا الاستنتاج قام الباحثون بالبحث عن الخط 3.5 KeV في السماء، وبما أننا نعيش في هالةِ المادة المظلمة لدرب التبانة فلابد أن أي عملية رصد تتم خلال الهالة تحتوي على المادة المظلمة.

وعند عدم عثور الفريق على أي أثر للخط 3.5 KeV في البيانات، قرروا بأن الخط 3.5 KeV لا ينتج عن المادة المظلمة، وهذا وفقاً لما قاله ديسرت.

تنتج إشارة الخط 3.5 KeV على الأغلب عن النيوترينوات العقيمة، ويبدو بأن ذلك يستبعد أن يكون النيوترينو الافتراضي مرشحاً لأن يكون هو المادة المظلمة. ولكن، لا يزال ممكنا أن تُقدم النيوترينوات العقيمة ذات الكتل المختلفة والتي لن تبعث نفس الإشارة شرحاً عن هذه المادة صعبة المنال.

تقول كيرستن بيريز Kerstin Perez، وهي أستاذة مساعدة في الفيزياء في معهد ماساشوستش للتكنولوجيا لم تشارك في هذه الدراسة لموقع Space.com: “حتى لو كنت تجد هذا الدليل دامغاً، والذي يقول بأن الخط 3.5 KeV ليس بالضرورة موجوداً أو أنه ليس بالضرورة مادة مظلمة فإن ذلك لا يستبعد النيوترينوات العقيمة كمرشح للمادة المظلمة، ولا تزال هناك الكثير من الكتل المختلفة التي يمكن أن تكون لدى النيوترينوات العقيمة، ومن الممكن أن تُشكل كل أو بعض المادة المظلمة في الكون“.

تقنيات جديدة للبحث عن المادة المظلمة


بينما يعبّر ديسرت عن خيبة أمله في عدم رصد الباحثين خط 3.5 KeV، يمكن للتقنية التي طوروها أن تُوَسع البحث عن هذه المادة صعبة المنال.

يقول الكاتب المساعد بين سافدي Ben Safdi وهو أستاذ مساعد في الفيزياء بجامعة ميشيغان في تصريح له: “بينما يُلقي هذا العمل مع الأسف الماء البارد على ما بدا وكأنّه الدليل الأول على الطبيعة المجهرية للمادة المظلمة، فإنه يفتح المجال لطريقة جديدة تماماً للبحث عن المادة المظلمة، مما قد يؤدي إلى اكتشاف في المستقبل القريب“.

وتقول بيريز: “قال الناس في ما مضى: حسنا، فلننظر إلى جزء من السماء يحتوي على الكثير من المادة المظلمة ولنرَ ما إذا كنا سنرصد المادة المظلمة هناك“.

ولكن عوضاً عن ذلك يستخدم الفريق مكاننا في الكون لصالحهم، باستخدام تقنيتهم الجديدة، والتي تشبه التقنية التي تستخدمها بيريز في عملها الخاص، تضيف بيريز قائله: “إذا كانت هذه الإشارة مادة مظلمة حقاً، فيجب أن تكون في جميع أنحاء السماء بكثافة متفاوتة لأننا نعيش داخل هالة المادة المظلمة“.

وتضيف أيضاً: “أعتقد بأن هذه طريقة مثيرة للحماس للتفكير بعمليات البحث هذه، لأنها تمكنك بشكل أساسي من استخدام السماء بأكملها، كُنا في السابق نأخذ لقطات للسماء وننظر إليها بشكل منفصل“.

وبينما كان البحث بداخل الهالة المظلمة لِدرب التبانة لإيجاد هذه الإشارة قد ساعد الفريق في معرفة أن الإشارة لم تأتِ من المادة المظلمة، فقد كان لديه منافع أخرى أيضاً؛ يقول ديسرت “إنك في الواقع لا تفقد أية حساسية بالبحث داخل هالة المادة المظلمة لدرب التبانة“.

ويواصل ديسرت قائلاً: ” تعتمد التقنيات السابقة في الأساس على توجيه تلسكوب الأشعة السينية نحو عنقود من المجرات، أو مجرد مجرة لديها هالة من المادة المظلمة، ثم يتم البحث عن إشارة لتحلل المادة المظلمة التي ستظهر كخط”، ويوضح أيضاً أنه وبفضل تقنيتهم التي يبحثون من خلالها داخل هالة المادة المظلمة لمجرتنا، فإنهم قادرون على الحصول على نتائج أفضل في بحثهم.

ويضيف ديسرت أخيراً: “إن هالة المادة المظلمة حول مجرتنا هي أقرب إلينا بكثير، وهذا يعني بأن من المحتمل جداً أن تحصل على الفوتونات الناتجة عن تحلل المادة المظلمة في مجرتنا أكثر مما لو كنت تنظر إلى عنقود ما في البعيد، ويمكن استخدام هذه التقنية التي طورناها في عمليات بحث أخرى مثل البحث عن خط 3.5 KeV”.

نُشر هذا العمل في 26 آذار/مارس في مجلة Science.


nasainarabic.net