قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن التوكل على الله – أحد المنازل الروحية السبعة – يتطلب من الإنسان أن يتحلى بالهمة، التي تجعله يواصل العمل بجد واجتهاد إلى النهاية وهو موقن بالنتيجة.
وكشف خالد، في الحلقة العاشرة من برنامج “منازل الروح”، أهم شرطين للتوكل، وهما: الأمل، والهمة، موضحًا أن الهمة تدفعك إلى الحركة، ومورداً: “لا تنتظر أحدًا.. اعمل ليلاً ونهارًا.. اسع على رزقك.. تعلم لغة.. حرفة.. ابحث عن هوايتك.. احصل على دورة تدريبية.. سافر إلى الخارج.. تعلم رياضة.. طور نفسك.. اعمل في الصيف.. اعمل عملاً تطوعيًا”.
ولاحظ خالد أن الحركة تكثر بشكل لافت في سورة الكهف، فهي كلها عبارة عن قصص لأناس يتحركون بهمة: أهل الكهف وموسى والخضر وذو القرنين.. فيها ثلاث حركات رائعة من أجل الدين: (أهل الكهف)، وحركة من أجل العلم (موسى والخضر)، وحركة من أجل الأرزاق والإصلاح في الأرض (ذو القرنين).
وتابع الداعية ناصحًا: “لا تنتظر توكيلاً بدون عمل.. حتى معجزات الأنبياء كانت بالعمل.. “اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ” لموسى، “وَاصْنَعِ الْفُلْكَ” لنوح، “وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ” لمريم..تحرك حتى تبقى حيًا..النبات يجدد ورقه عندما يذبل، والورقة التي تموت يقطعها وينبت مكانها ورقة حية جديدة”.
وروى حكاية حدثت له قائلا: “قابلت في إنجلترا رجلاً عجوزًا عمره 70 عامًا.. يستيقظ كل يوم في برد الشتاء القاسي في تمام السابعة صباحًا، يخرج متلحفًا معطفا سميكا..سألته: أين تذهب كل يوم؟ فقال إنه يأخذ دورة تدريبية في تاريخ الفن في أوربا.. قلت له: لماذا تفعل ذلك في هذا السن؟ فقال لي: لأبقى حيًا.. وكان الرد كافيًا ومؤثرًا.. جدد ورقك قبل أن تصبح عجوزًا وأنت مازلت في العشرين من عمرك”.
ومضى خالد قائلاً: “تحرك لتأكل من رزق الله.. “فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ”، فالمنكب هو الكتف. كأن القرآن يقول لك: أمسك الدنيا من أكتافها.. انحت في الصخر.. وعندها ستأكل من رزق الله”، وأشار إلى أن بداخل كل منا كنزًا، وهناك طريقتان لمعرفته: خبير يدلك عليه، كما فعل الرسول مع الصحابة، أو تتحرك وتحتك في الحياة لتظهر موهبتك تدريجيًا.
وبين المتحدث أنه “من كل ثماني محاولات للأسد تنجح واحدة فقط، فلا يتوقف بعد سبع محاولات، لأنه يعرف أن هذا قانون الطبيعة.. كذلك البشر.. ففي عالم المبيعات، بين كل عشر محاولات تنجح محاولة واحدة للبيع”، ولفت إلى أن “النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف القانون ولم ييأس، فعلى الرغم من كل محاولات دعوته للقبائل ظل يحاول حتى قابل ستة شباب من المدينة لتبدأ رحلة الهجرة. هذه هي سنة نبيك: كافح.. حاول.. اطرق الأبواب”.
وضرب الداعية مثلاً بقصة يوسف عليه السلام، الذي دخل بيت العزيز عبدًا.. قائلاً: “كان يمكن أن يبكي ويستسلم لسوء حاله، لكنه وجد العزيز وزير اقتصاد فتعلم منه وراقبه.. فلما جاءت الفرصة ومصر في مجاعة “قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم””، وأضاف: “لو لم يكن تعلم سابقا لما رأى الفرصة وهي تمر أمامه..كما أنه وهو طفل تعلم على يد أبيه تأويل الرؤى ولم يقل اتركني ألعب مع أصحابي.. أخذ خبرة أبيه فلما رأى الملك الرؤيا كان جاهزًا لتأويلها”.
وتابع خالد: “هي معادلة ربانية: (همتك وجهدك) + (فرص الحياة من الله)= حقيقة التوكل.. فتفتح أمامك أبواب الرزق”، موضحًا أن “هذه الفرص تمر عليك يوميًا مثل مواعيد القطارات..فلماذا لا نشعر بها ولماذا لا نمسك بها ونغتنمها؟”، وزاد أنه “كل يوم يرسل الله الرزاق الوكيل الوهاب فرصًا، لكن رادار إمكانيتك محدود، لأنك لا تتحرك بهمة، وكلما اتسع رادار إمكانيتك، رأيت فرص ربنا أكبر وأوسع”.
واستشهد المتحدث بسيدنا نوح عليه السلام، الذي كان يتمتع بهمة جعلته يدعو قومه بلا ملل لمدة 950 سنة “قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا(5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا”. أما سيدنا موسى فقال: “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا”، وذكر أن أعظم قصة للطموح في تاريخ المسلمين كان بطلها زيد بن ثابت، الذي بدأت قصته في عمره 10 سنين، وكان من الأنصار عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة، أمسك بخطام ناقة النبي، فنظر له النبي وأعجب به، فقد كانت عيناه تمتلئان بالذكاء والطموح، في اليوم التالي، أرسلته أمه إلى النبي بطعام، فنظر له وسأله ما اسمك؟ قال: زيد. قال: ابن من؟ قال بن ثابت.. فابتسم له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ايتني يا زيد…فكان زيد يأتي النبي صلى الله عليه كلما مشي في شارع من شوارع المدينة..وعندما خرج المسلمون في غزوة بدر، أراد الخروج معهم للقتال، لكن النبي صلى الله عليه وسلم رفض، لأنه طفل، فبكى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أول من منع مشاركة الأطفال في الحروب.
وفي غزوة الخندق، كان عمر زيد ما بين 14 أو 15 عامًا، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يحفر في الخندق، ويحفر بهمة غير عادية، يومها ناداه كأنه يريد أن يختبره: هل مازال ثابتًا على موقفه، لديه طموح، أم إنها حماسة مؤقتة سرعان ما انتهت؟ فلما ناداه النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا زيد، أتحب أن تتعلم العلم؟ (فقد رأى ذكاءه ولذلك وجهه للعلم).. قال زيد: نعم يا رسول الله، قال النبي: هل تعرف كيف تقرأ وتكتب؟.. قال زيد: لا يا رسول الله، فقال له النبي: اذهب وتعلم.. يقول زيد: فجئت بعد أسبوع وقال: تعلمت يا رسول الله.. فقال له النبي: اكتب عني الوحي… كتب عنه الوحي وهو عمره 15 عامًا، فقال له النبي: أتحفظ ما تكتب؟ قال يا رسول الله لم تأمرني بكتابة كلمة إلا وحفظتها من كتاب الله، فصار من حفظة القرآن وهو في عمر 16 عامًا، فقال النبي: يا زيد اذهب فتعلم اللغات.. فتعلم السريانية.. فقال تعلم لغة اليهود ولا تأتني حتى تتقنها.. فجاء إليه بعد 19 يومًا.. قال النبي: أتكاتبهم بها؟.. فقال زيد أكاتبهم بها.. فابتسم النبي، وقال له: اذهب فتعلم المواريث.. فأصبح يقرأ ويكتب، ويتقن لغتين، وحفظ القرآن وكتابة القرآن، وعلم المواريث…يسرد عمرو خالد.
وواصل خالد الحكاية : “حتى إذا ما وصل إلى سن 20 عامًا، وكان مازال بداخله حيوية، وهمة رهيبة، فصنع عملاً من أكبر الأعمال في تاريخ المسلمين، فقد كلفه أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب بجمع القرآن في مصحف واحد، وقد بذل مجهودًا كبيرًا حتى يجمعه ممن يحفظونه في صدورهم”.