الصراخ كان عالياً وهذا ما دعى الجيران إلى الاتصال بالشرطة التي حضرت لتدخل الشقة وتشاهد المرأة وقد فارقت الحياة وسط بركة من الدماء.

الجيران وصفوا المشهد بالمؤلم خصوصاً مشهد بكاء الأطفال الأربعة الذين حضروا هذا المشهد المروع لأبيهم القاتل وأمهم القتيلة.

ما أثار الرأي العام أكثر، أن هذه الحادثة هي خامس حادثة لمقتل امرأة على يد رجل في غضون أسابيع في السويد، وواحدة من سلسلة طويلة من جرائم العنف ضد النساء سواء بين المهاجرين العرب -أو بين السويديين أنفسهم، مما فتح من جديد قضايا العنف ضد النساء وجعلها من أولويات الحكومة السويدية حالياً.

العرب.. تغير في نظام الأسرة

جرائم القتل التي حدثت بين المهاجرين العرب هي الحالات القليلة التي وصل التأزم فيها داخل تلك الأسر إلى حد القتل، ولكن وحسب كلام الكثير من المتابعين لشؤون المهاجرين فإن المشاكل الأسرية أصبحت شائعة بين المهاجرين إلى حد كبير.

في العديد من المجالس والمنتديات يتحدث بعض المشايخ وأئمة المساجد ومشرفي بعض الجمعيات الأسرية عن حالات الطلاق الكثيرة التي تحدث بين المهاجرين الجدد، والتي وصلت من الكثرة إلى حال لا يمكن تجاهله.

حينما تأتي الأسر العربية إلى السويد فهم عادة لا يضعون في حسبانهم الأنظمة الجديدة التي سيعيشون ضمنها والتي ستؤثر على تركيبة الأسرة الداخلية، خصوصاً في موضوع مكانة الزوجة، حيث تدعم الأنظمة الأوروبية عموماً مكانة المرأة، ويضعونها في مكانة مساوية للرجل، وهذا ما لم تتعود عليه الكثير من الأسر العربية.

ضحية ثلاثينية

في الجريمة تلك التي حدثت جنوب ستوكهولم، كانت الضحية امرأة تبلغ من العمر 32 عاما، وحسب رواية الجيران فإنها كانت نادراً ما تترك المنزل، وكانت تكرس حياتها لأولادها، وكانت امرأة لطيفة، وكان أولادها دائماً في أبهى حلة.

وحسب المعلومات التي حصلت عليها الصحف السويدية، فإن الزوج كان يعنف زوجته، وهناك من نصح الزوجة باللجوء للسلطات ولكنها لم تفعل خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى أن تسحب السلطات منها أبناءها.

الزوج الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة، أنهى حياة زوجته بطعنها بآلة حادة، وتم القبض عليه، وأخذت دائرة الشؤون الاجتماعية الأولاد الثلاثة لترعاهم. 

لا مكان للعنف

تنتشر في العديد من الأوساط العربية ثقافة أن الرجل بإمكانه اضطهاد زوجته، وبدرجات مختلفة حسب كل ثقافة، حينما يأتي المهاجرون من هذه الثقافات يصطدمون بالقوانين الأوروبية التي تمنع تماماً تعدي أي طرف على الطرف الآخر، لذلك إن كانت هناك امرأة تعاني من تعنيف زوجها، أو ضربه لها، وعاشت سنوات في هذا الجو في بلادها، فإنها حينما تأتي إلى السويد ويستمر زوجها في تعنيفها، ستجد في الكثير من الأماكن ما يشجعها على رفض هذه الحالة. فهناك العديد من الجهات التي تدعم المرأة المعنفة، وتحث النساء المعنفات على التواصل معنهن لمساعدتهن.

إضافة إلى ذلك فإن المجتمعات والدوائر الاجتماعية الجديدة التي ستدخلها المرأة تدعم هذه الفكرة. تتناقل النساء فيما بينهن شكاويهن ضد أزواجهن، ويشجعن بعضهن البعض على الوقوف في وجه العنف، وبعضهن حصلت لهن قصص في السابق وتمكن من تغيير وضعهن إما بإقناع الأزواج بتغيير أسلوبهم أو بالانفصال عنهم، وهذا ما يشجع المرأة أكثر على القيام بخطوة الرفض والوقوف أمام زوجها.

تقدم الشؤون الاجتماعية في السويد دعماً كبيراً للنساء المعنفات، إن تواصلت معهن امرأة وعبرت عن خوفها من زوجها، فإنهم يتدخلون فوراً لحمايتها ومساعدتها، وغالباً ما تقوم الشؤون الاجتماعية بتقديم خدمة الإخفاء التام للمرأة التي تشعر أنها في خطر، حيث يتم نقلها إلى مدينة أخرى، وإعطائها هوية مختلفة مؤقتة حتى لا يتمكن زوجها من تعقبها والوصول إليها، وتقوم الشؤون الاجتماعية بتوفير السكن والمستلزمات للمرأة طيلة فترة الحماية. هذا الدعم شجع بعض النساء المعنفات أن يقمن بهذه الخطوة بالفعل.

المرأة مستقلة مالياً وقانونياً

حسب المتابعين للقضايا الأسرية بين المهاجرين العرب فإن الاستقلال المالي والقانوني للمرأة، وعدم استعداد وتفهم الزوج لذلك، يعد أحد أهم الأسباب للمشاكل والتي قد تنتهي بطلاق أو حوادث مؤسفة.

الطرق في السويد وأوروبا مهيئة تماماً لأن تكسب المرأة دخلها الخاص سواء عن طريق الشؤون الاجتماعية وغيرها من جهات الدعم أو بتيسير التعلم والعمل لها، وهذا أحدث تغييراً أساسياً في بنية الكثير من الأسر العربية التي تعودت على نمط أن الرجل هو الذي يعمل ويكسب ويصرف على جميع أفراد الأسرة بما فيهم زوجته، مما يعزز أكثر من مكانة الرجل كقائد للأسرة وصاحب الكلمة العليا.

ما واجهته هذه الأسر أن الزوجة أصبح تكسب مثلها مثل الرجل، وفي كثير من الأحيان أصبح دخلها أكثر من الرجل، وهذا ما شكل صدمة للرجل، وبعض هؤلاء الرجال لم يتمكنّ من التعامل مع الوضع الجديد والتأقلم معه، مما يجعله يتصادم مع زوجته لتبدأ المشاكل وتكبر.

من الأمور الشائعة التي تحدث بين المهاجرين الذي يكون فيها الأب صاحب صنعة في بلده، ويأتي وهو في متوسط العمر، في الأربعينات والخمسينات، فيصعب عليه التأقلم مع سوق العمل الجديد، يحاول ويفشل، ويجرب العديد من الطرق بلا فائدة، مما يجعله في نهاية المطاف بلا عمل. وفي خلال ذلك تدخل زوجته مدارس اللغة لتتعلم اللغة السويدية، ويتدرج بها الأمر شيئاً فشيئاً لتنهي اللغة ثم تتوجه كغيرها إلى تعلم بعض المهارات البسيطة لينتهي بها الأمر في وظيفة بسيطة، ليصبح لها دخل جيد، وتصبح هي من تصرف على الأسرة لأن الزوج عاطل عن العمل، وهذا تغيير كبير لا يمكن لكثير من الرجال تحمله، فبعد أن كانت لهم صولة وجولة في بلادهم، أصبحوا هنا عالة على زوجاتهم، وتكبر المشاكل بينهم، ويصل الأمر بالزوجة في النهاية إلى أن ترى الرجل مجرد مصدر مشاكل وإزعاج في حياتها، فينتهي الأمر بالانفصال.

كل شيء في السويد وأوروبا يشجع المرأة لأن تكون مستقلة، جميع وثائق الأسرة والأولاد لا بد أن توقع عليها الزوجة بجانب الزوج، في التعاملات الرسمية والطبية لا يحق للزوج أن يتكلم عن زوجته. يروي أحد المهاجرين أنه كان هو وزوجته يتابعان معاملة في إحدى الدوائر الحكومية، سألهم الموظف أسئلة وهو يجيب، ثم سأل الزوجة عن مكان ولادتها فأجاب الزوج بشكل تلقائي، فنهره الموظف وقال إن الزوجة بإمكانها الحديث والرد، ولا يحق للزوج أن يجيب عنها، ليصمت الزوج ويكمل الموظف حديثه مع الزوجة.

عائشة، نهايتها على يد رفيق دربها

من القصص المؤلمة التي حدثت في السويد في العام الماضي، وتكشفت تفاصيلها منذ أشهر، قصة عائشة، التي وصلت مهاجرة للسويد مع زوجها في عام 2015.

انخرطت هي وزوجها في مدارس تعليم اللغة السويدية، ثم بدءا في البحث عن عمل، حصل الاثنان على فرصة تدريب في أحد المطاعم، وبعدها حصلت زوجته فقط على وظيفة في المطعم، وعاد هو بلا عمل.

بدأت المشاكل بينهما، بدأ يشك فيها، ويتهمها بأنها تريد خلع الحجاب والتبرج، وتركه والذهاب مع رجل آخر، وبدأ الرجل يعيش أزمة نفسية، ويعاني من التوتر والاضطراب، ثم حضر إلى المطعم يوماً ما وتواجه مع زوجته أمام العاملين هناك، وطلب منها ترك العمل، وهو ما رفضته الزوجة، وبعد مغادرته عبرت الزوجة عن خوفها من زوجها لزملائها ومديرتها.

في صباح اليوم التالي، قام الرجل بضرب عائشة على رأسها، ثم خنقها حتى فارقت الحياة. حصل ذلك في غرفة النوم ولم ينتبه أطفالهم الثلاثة لما جرى.

خرج الأب، وأخذ الأولاد الثلاثة إلى الروضة، تفاجأت المعلمات في الروضة لأن الأولاد الثلاثة كانوا بملابس النوم ولم يكونوا يرتدون ملابس مناسبة للطقس البارد حينها، حاولوا الاتصال بأمهم ولكن بلا فائدة.

خلال ذلك حاول الأب الهرب من السويد عن طريق الدانمارك، ولكن كانت الحدود مقفلة بسبب كورونا، ليعود أدراجه، ثم اتصل بالشرطة وأبلغ عن الجريمة، وحاول الانتحار عند سكة الحديد ولم ينجح. اكتشفت الشرطة جثة عائشة، وقبضت على الزوج الذي اعترف فوراً أنه الفاعل. وقامت الشؤون الاجتماعية بأخذ الأولاد الثلاثة لتوفير بيت رعاية لهم.

وحكمت المحكمة على الزوج بالسجن المؤبد.

طلبت الحماية، ليلاحقها زوجها ويقتلها

في منتصف هذا الشهر، حدثت جريمة أخرى بشعة في مدينة لينشوبينغ في السويد، حيث هجم رجل على امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً في وضح النهار، ليقوم بطعنها وتسقط مضرجة بدمائها، ثم تفارق الحياة في المستشفى.

الشرطة قبضت على الرجل، ليتضح أنه زوجها السابق، وكانت المرأة قد لجأت للشؤون الاجتماعية لتحميها منه منذ سنوات، وقامت السلطات بإخفائها في عنوان محمي حتى لا يعثر عليها زوجها، ولكن يبدو أن زوجها تمكن من الوصول إليها ليقضي عليها.

الحكومة السويدية تتحرك

بعد تزايد حالات العنف والقتل ضد النساء دعت الحكومة السويدية الأحزاب لإجراء محادثات عاجلة، وتجاوبت جميع الأحزاب مع هذه الدعوة ليتم عقد مباحثات نتج عنها مجموعة من القرارات المقترحة الجديدة والتي سيتم تقديمها للبرلمان للتصويت عليها.

من هذه القرارات وضع سوار تتبع على القدم للرجال الذين يشكلون خطرا على زوجاتهم (السابقات) وطلب منهم الابتعاد عنهم ولكن يخشى من عدم التزامهم بهذه الأوامر، وقرار آخر يقضي بأن يغادر الرجل المنزل ليبحث عن سكن آخر ويبقى المنزل للمرأة في حال الخلاف والانفصال.

هذه القرارات التي قالت عنها وزيرة العدل إنها قرارات في الاتجاه الصحيح لحماية المرأة من العنف، ولكن لا تزال هناك حاجة للمزيد من القوانين والتشريعات في هذا المجال.

skynewsarabia.com