السبت 1 ماي 2021 – 21:00
ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟
هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.
الحلقة السابعة عشرة
كانت أصداء الثورة الإيرانية وخلع الشاه محمد رضا بهلوي قوية في المغرب، منذ بدء الاضطرابات والمظاهرات الطلابية والتدخلات الدموية للجيش الإيراني الذي دفعه الشاه إلى الشارع لردع المتظاهرين. والملاحظ أن مختلف الصحف الحزبية كانت لديها مواقف متقاربة بخصوص الشاه المخلوع، بينما كانت مواقفها متباينة من الثورة الإسلامية والخميني.
منذ بدء الأحداث في إيران بدأت الصحف المغربية تصف الشاه بألقاب متباينة، وفقا للموقف السياسي من الأحداث ومن النظام السابق. ففي حين بقيت جريدة “لوماتان الصحراء والمغرب”، المحسوبة على الدولة والتي كان يرأسها الوزير الدائم أحمد العلوي، تلقب الشاه بـ”جلالة الملك”، وتتحدث عن “مظاهرات مؤيدة للشاه”، اختارت صحف أخرى، مثل “البيان” التابعة لحزب التقدم والاشتراكية، و”المغرب” لسان حزب التجمع الوطني للأحرار، أن تلقب الشاه بـ”الملك” في بدايات الأحداث، وبعد ذلك صارت تدعوه باسمه “محمد رضا بهلوي”، أو “الشاه” فقط، بينما اختارت صحف أخرى مثل “المحرر” لسان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و”العلم” لسان حزب الاستقلال، مناداة الشاه بـ”الديكتاتور” أو “الشاه” أحيانا.
أصبحت أحداث إيران تحتل حيزا كبيرا في الصحف المغربية، خصوصا منها صحف أحزاب المعارضة التقليدية، وتشغل افتتاحياتها لعدة أيام، وكانت مواقفها التي تعبر عنها تسير في اتجاه معاكس لموقف الدولة الرسمي، بالرغم من بلاغ الاعتراف بالأمر الواقع في إيران، الذي صدر عن الحكومة المغربية يوم 15 فبراير 1979. ويمكن القول بأن تلك المواقف كانت تستبطن دعوات ضمنية بضرورة الإصلاح في المغرب، وتبدو بمثابة انتقاد مبطن للنظام في المغرب.
وقد كتبت جريدة “العلم” بتاريخ 31 يناير 1979 افتتاحية تحت عنوان “الديمقراطية هي الحل”، أشارت فيها إلى أن أزمة الحكم في إيران “تقوم على أساس ثورة شعبية دامت أزيد من سنة اتضح فيها أن الشعب على خلاف عميق مع الشاه، وأن هذا الأخير لا يمكنه السيطرة على الوضع رغم وسائل القوة والعنف التي استخدمها طيلة حكمه، واتضح فيها أن الثورة الشعبية استعصت لا على الشاه فحسب، ولكن أيضا على القوة الدولية التي كانت تسند الشاه بالسياسة والخبرة والديبلوماسية، وانتهى الأمر بخروج الشاه بعد أن يئس من استعادة نفوذه، وبقيت البلاد في مهب الرياح تتصارع فيها قوى داخلية وقوى خارجية”.
وفي تشخيصها للقوى الداخلية أوضحت الجريدة “أما القوى الداخلية فتتمثل في القوة السياسية المعتدلة التي يسندها رجال الدين ويتزعمها آية الله الخميني، وهي قوة شعبية حقيقية جارفة تعبر عن ضمير شعب إيران، وتتحكم في توجيه الأغلبية الساحقة من بنيه. ثم القوة السياسية التي يمكن أن نسميها بالمنطق الغربي قوة اليسار، وهي قوة الشيوعيين المنظمين الذين كانوا يكونون حزب (تودة)، ودخل الحزب إلى العمل السري بعد أن منعه الشاه واضطهده، وهي قوة يحسب لها حسابها سواء من حيث التنظيم والتوجيه، أو من حيث الانتماء والارتباط الدولي بالاتحاد السوفياتي”.
والقوة الثالثة، بحسب الجريدة، التي تتصارع داخل إيران، هي قوة الجيش. “ورغم أهمية الجيش عددا وسلاحا وتكوينا، فإنه قوة غير سليمة، نظرا للمصالح والمكاسب التي ارتبطت به، وللرشوة والفساد التي دبت فيه، وهو الآن موزع بين الإخلاص للجهة التي ستنتصر، وللقوة الخارجية التي تتحكم فيه (وهي معروفة)، وفي انتظار الضوء الأخضر ما يزال يلعب مع القوة الشعبية لعبة التخفي والظهور. وحالة التوزع هذه التي يقع فيها الجيش تابعة لروح المكاسب والمصالح التي ربي عليها، ولذلك فلا يمكن للجيش أن يلعب إلا دورا تابعا لقوة خارجية، أي أنه يمكن أن يقوم بانقلاب عسكري إذا أُمر بذلك”.
وختمت الجريدة افتتاحيتها المطولة، التي كانت بمثابة تشخيص وتشريح للأوضاع الداخلية في إيران، بالقول “إذا تركنا الظروف الخارجية جانبا، واتجهنا فقط إلى الظروف التي يتحكم فيها الإيرانيون وحدهم، فإننا نجد أن الحل هو إقرار نظام ديمقراطي يترك الحرية للمواطنين ويدعوهم لاختيار النظام الذي يرتضون، وشكل الحكم الذي يفضلون، والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي يختارون، وفي ظل هذا النظام تصطرع القوة الداخلية، وتتفق أو تختلف، ولكنها تخرج من الاتفاق والاختلاف بما تقرره الأغلبية لصالح شعب إيران، ونظام كهذا يمكن أن تشرف على تحضيره حكومة مؤقتة تتفق عليها أغلبية القوة المتحكمة الآن في الشعب الإيراني”.