حث الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، على العمل والطاعة وبذل الجهد في ليلة القدر، قائلاً إن هذه الليلة لها سر ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته السيدة عائشة: يا رسول الله، أرأيتَ إن أدركتُ هذه الليلة، فماذا أقول؟ قال: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. 

وأضاف خالد في الحلقة السادسة والعشرين من برنامجه الرمضاني “منازل الروح”، أن الله يتجلى على عباده بعفوه عنهم، واسم الله العفو هو المفتاح، كأن المفتاح في هذه الليلة هو “العفو” الذي ورد في القرآن مرارًا مرتبطًا بالذنوب الكبيرة، “إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (آل عمران: 155). 

وذكر أن اسم الله العفو ورد في القرآن خمس مرات، مرة مقترنا باسم الله القادر “إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً” (النساء:149)، وأربع مرات أخرى مقترنا باسم الله الغفور “إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً” (النساء:43)، “فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً” (النساء:99) ليريك الكرم، وليقول لك: يمكنك أخذ هذه المغفرة، ويمكنك أخذ الأكبر منها والمنزلة الأعلى، وهي العفو”.

وتحدث خالد عن الفارق بين اسم الله “العفو” واسم الله “الغفور”، قائلاً: “المغفرة أنك إذا فعلت ذنبًا فالله يسترك في الدنيا، ويسترك في الآخرة، ولا يعاقبك على هذا الذنب، لكن الذنب موجود! أما العفو فالذنب غير موجود أصلاً، كأنك لم ترتكب الخطأ، لأنه أزيل ولم تعد آثاره موجودة، لذلك فهو أبلغ”. 

ما معنى اسم الله العفو؟  

قال خالد إن كلمة (عفا) لغويًا في المعجم لها معنيان: أعطيتُه من مالي عفوًا: أي أعطيته شيئًا طيبًا من حلال مالي، عن رضا نفس، دون أن يسأل “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ” (البقرة:219)، وهذا أفضل ما تنفقون من مالكم. أما المعنى الثاني، فهو الإزالة، يقولون: عَفَت الريح الآثار: أزالتها ومسحتها. 

العفو: يزيل ويمحو ثم يرضى ثم يعطي 

وأضاف أن هناك ثلاثة أمور في اسم الله العفو: يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهو سبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفوًا دون سؤال منهم. لعلك بهذا فهمت المراد باسم الله العفو، والمراد من هذا البرنامج أن تفهم، وتعيش، وتحب، أن ننتقل من الكلام إلى الوجدان، من منزلة اللسان إلى منزلة الإحسان “أن تعبد الله كأنك تراه”. 

وروى أن أعرابيًا جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا رسول اللَّه أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل اللَّه عز وجل: “إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ”. وأشار إلى أن بعض الصحابة قالوا إن هذه الآية أكثر آية في القرآن تحمل الأمل. وكان عمر بن الخطاب يقول: “لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء”.  

وأورد خالد العديد من الأحاديث التي يحث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على كثرة الدعاء، منها: “من لا يسأل الله يغضب عليه”، “ليس شيئًا أكرم على الله من الدعاء”، “الدعاء مخ العبادة”، “إن الله يحب الملحين في الدعاء”، “إن الله حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا خائبتين”. 

وذكر أن 90 في المائة من الدعاء يستجيب الله له، والعشرة في المائة الأخرى ليس فيها خير لك، وأحيانًا يؤخر الله إجابة الدعاء من أجل مصلحة العبد “وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ” (الكهف: 82)، “وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا” (الإسراء: 11).  

مع ذلك، أكد خالد أن الإنسان يجب أن يدعو بكل أمنياته ويلح على الله من أجل أن يستجيب له، “وهو من سيزيح الشر عنك ويستجيب للخير”. وأشار إلى أن “الإنسان لا يدعو الله تعالى من أجل أنّ له طلبات، فحتى لو لم يكن لديك طلبات يجب عليك أن تدعو الله، الدعاء في حد ذاته غاية وليس وسيلة، الدعاء عبودية لله”.  

الدعوات المستحيلة

وقال إن “كل الدعوات المستحيلة في القرآن، من أجل أن ترفع سقف الدعاء، ومن ذلك دعاء سيدنا سليمان: “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” (ص: 35)، فلم يستطع أحد أن يركب الريح من بعده، ودعاء سيدنا أيوب في مرضه: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ” (الأنبياء: 83)، سيدنا زكريا دعا ربه: “وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ” (الأنبياء: 90). 

أربعة شروط لإجابة الدعاء 

وقال خالد إن هناك أربعة شروط لإجابة الدعاء:  

الأول: اليقين في الإجابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ادعوا الله وأنتم موقنون في الإجابة”، ويقول أيضًا: “لا يقل أحدكم ربي لو شئت أعطيتني كذا، ولكن يعزم في المسألة”. 

الثاني: الخشوع أثناء الدعاء، يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب: “أنا أعلم متى يستجاب دعائي، قالوا كيف تعلم؟ قال: إذا خشعت واهتزت الجوارح، وبكت العين أقول: هذه ساعة إجابة، فأبالغ في الدعاء”. 

الثالث: اتق الله؛ فعلى سبيل المثال أنت تريد أن تدخل على مديرك، وهو غاضب منك، صالحه في البداية واطلب منه ما تريد. استغفروا الله وتوبوا إليه يستجب لكم. 

الرابع: عدم الاستعجال، لا توقف دعاءك، فهو قد وعدك بالإجابة في الوقت الذي يريده، ولكن ليس في الوقت الذي تريده أنت. “علي” ابني آية من ربنا، فقد ظللت عشر سنوات لم أنجب خلالها، لكن لم أكن أدع من قلبي، إلى أن جئت في يوم عرفة، وفي ليلة القدر، فأخذت أدعو الله كثيرًا، فاستجاب الله لي. وبعض الناس قالوا لي إنهم جربوا الدعاء بنفس الطريقة، وأجاب الله لهم، وأعطاهم الذرية. 

hespress.com