الإثنين 10 ماي 2021 – 12:00
يكتسي الاحتفال بالعشر الأواخر من شهر رمضان الأبرك لدى أهالي سوس صبغة خاصة ضاربة في القدم ومتجذرة في التاريخ، حيث تجمع مظاهر الاحتفال بين الجانب الروحي الديني والعادات والتقاليد المتوارثة والمتنوعة من حيث المعاملات والعبادات والعادات الغذائية، فبالإضافة إلى التزام السواسة، أسوة بباقي المغاربة المسلمين، بمختلف أنواع العبادات وذكر الله والتزام بيوته في أداء الصلوات الخمس وصلاة التراويح وتلاوة القرآن وصلة الرحم وغير ذلك، تنفرد مناطق سوس بطقوس دينية تميز على الخصوص العشر الأواخر وعيد الفطر.
وتشتهر سوس بالاحتفال بختم صحيح البخاري أو ما يعرف اختصارا لدى العامة بـ”البخاري”. ويقول الفاعل المدني الحسين بسموم إن هذا الاحتفال مرتبط بمكانة صحيح البخاري لدى السوسيين خاصة والمغاربة عامة، مضيفا أن “هذه الليلة لها مميزاتها وخصوصياتها، حيث تعرف توافد الطلبة وأهل العلم على المدارس العتيقة، وتتكلف بعض الأسر والمحسنين على الإعداد لها بما يلزم من طعام وشراب وطيب وجميع المستلزمات، إلا أنه لوحظ مؤخرا انخراط المجتمع المدني في هذه العملية، حيث تقوم جمعيات الدواوير بالإعداد لها. ومن بين المناطق التي ذاع صيتها باشتوكة مدرسة أوخريب ببلفاع، وكوحايز بإنشادن، ومدرسة علال بآيت عميرة، وغيرها بأكادير وتارودانت وتيزنيت”.
ليلة أخرى على قدر كبير من القدسية والأهمية لدى المسلمين، وأهل سوس لهم طقوس خاصة لصيقة بهذه الليلة المباركة. “فبالإضافة إلى قدسيتها، تعتبر ليلة القدر عند السوسيين ليلة صلاة وذكر واحتفاء بالأطفال، وتحظى بمكانة خاصة من جميع النواحي، حيث يرافق الآباء أبناءهم إلى المساجد بزيهم التقليدي، وقبل صلاة التراويح يقام إخراج “السلكة”، وهي ختم القرآن الكريم والدعاء. وبعد صلاة التراويح تبدأ دروس الوعظ والإرشاد والتعريف بفضائل الليلة المباركة، بعد صلاة القيام والتهجد ومختلف الأذكار”، يقول بسموم.
فقرات الذكر والعبادة التي تسم ليلة القدر في سوس تتخللها فقرات إطعام أهل الذكر وطلبة العلم، وقد كانت هذه المهمة موكولة سابقا إلى نساء الدواوير داخل بيوتهن. كما أصبحت العديد من القبائل تعتمد الذبيحة بالمساجد، ومنها تعد الأكلات لفائدة الطلبة وقاصدي المساجد من أجل إحياء الليلة الفضيلة. وأصبحت غالبية المساجد اليوم منفتحة على العنصر النسوي، الذي صار مسموحا له بأداء مختلف العبادات داخلها، في رمضان وغيره، على غرار الرجال. كما أن للأطفال نصيبا من هذه الليلة عند السوسيين، حيث يُكرَّمون ويُحتفل بأول يوم صيام لهم، كما تُخضب البنات بالحناء، وهي طقوس تختلف من منطقة إلى أخرى بسوس.
ليلة “البخاري” تليها ليلة القدر ليحل عيد الفطر إيذانا بانتهاء فريضة الصيام، وهو اليوم الذي يكتسي الاحتفال به طابعا خاصا لدى أهل سوس. وفي هذا الصدد يقول بسموم إن “احتفالات عيد الفطر لها طعمها عند السوسيين. فقبل العيد يقصد الأهالي السويقة أو “تسوقت” بالأمازيغية، فيتم اقتناء الملابس التقليدية، بالإضافة إلى ما سيؤثث الموائد يوم العيد، كما يتم الحرص على إخراج زكاة الفطر في وقتها. وبعد هذه العملية يتجه الكل إلى المصلى في جو رباني مفعم بالخشوع من أجل أداء صلاة العيد، وبعد الانتهاء منها تبدأ الزيارات العائلية وصلة الرحم، وتفتح الأبواب للجميع من أجل تناول وجبة الفطور في جو من المحبة والإخاء والود. وبعد الغداء تعم الزيارات العائلية، وتجتمع النساء في طقوس احتفالية، وفي ليلة يوم العيد تجتمع الأسر في بيوت الأصول أو الفروع”.
هي طقوس وعادات ومظاهر احتفال دينية لصيقة بشهر رمضان في مناطق سوس. غير أن الشهر الفضيل في هذه السنة كمثيله في العام الفارط، اختفت فيه كل تلك المظاهر بحكم تفشي جائحة “كورونا”، التي فرضت إغلاق المساجد لأداء التراويح وإحياء ليلة القدر وليالي ختم صحيح البخاري، وامتد المنع إلى صلاة العيد والزيارات العائلية، مما أثر بشكل سلبي على تلك الأجواء الرمضانية وكل ما يرافقها من احتفالات دينية وروحية. كما كان لمنع التنقل الليلي انعكاسات على مختلف مناحي الحياة لدى غالبية الأهالي، انضافت إلى تجميد الطقوس الرمضانية، مما أضفى على هذا الشهر لعامين متتاليين طابعا خاصا.