مازال صوت حوافر الخيول يسمع على الشوارع والأزقة المرصوفة بمنطقة بنسودة في مدينة فاس، حيث تعد العربة التي تجرها الخيول، المعروفة بـ”الكروسة”، مصدر رزق لحوالي 30 مزاولا لمهنة النقل باستعمال هذه الوسيلة البدائية.

ويعاني سائقو هذه العربات، المخصصة في الغالب لنقل مواد البناء والبضائع، من المنافسة الشديدة التي فرضها عليهم أصحاب الدراجات ثلاثية العجلات، وغلاء ثمن الأعلاف المخصصة لخيولهم، فضلا عن ارتفاع سومة كراء إسطبل لمبيت دوابهم، المعروف بـ”الفندق”.

“غادرت المدرسة في سن مبكرة من المستوى الثالث ابتدائي لأساعد والدي في هذه المهنة”، يقول رشيد العرايشي، البالغ من العمر حوالي 40 سنة، مبرزا أنه أصبح مزاولا لهذه المهنة بشكل مستقل منذ أن كان يبلغ من العمر حوالي 16 سنة.

وأوضح العرايشي، في حديث لهسبريس، أنه دأب على مساعدة جميع زبائنه طيلة مشواره المهني، مؤكدا أن مهنة النقل بـ”الكروسة” متعبة جدا؛ لأنها موجهة على الخصوص لنقل مواد البناء من إسمنت ورمل وياجور، فضلا عن مخلفات البناء لرميها في الأماكن المخصصة لذلك خارج المدينة.

المتحدث الذي كان ينتظر بشغف قدوم زبون جديد وهو جالس على كرسي عربته المركونة بالحي الجديد بمنطقة بنسودة، أبرز أن الفرس، الذي يشكل ركيزة هذه المهنة، يحتاج إلى الكثير من العناية، مثل توفير الأعلاف الكافية والمداومة على نظافته، موردا أنه يتم التعامل معه كواحد من أفراد الأسرة.

وألمح العرايشي إلى أنه أصبح يفكر في تغيير مهنته، لكنه يصطدم بغياب البديل، مشيرا إلى أنه فكر مؤخرا في اقتناء دراجة ثلاثية العجلات لكن قرار الحكومة فرض رخصة السياقة على أصحابها دفعه إلى التراجع عن هذا الخيار، ليواصل مهنته القديمة رغم الظروف القاسية وضعف المداخيل.

من جانبه، أكد محسن اجباري، أحد ممارسي النقل بواسطة “الكروسة”، أن هذه المهنة كانت في السابق تدر مدخولا لا بأس به على مزاوليها بأحياء منطقة بنسودة بمدينة فاس، لكن حاليا، مع المنافسة التي فرضها عليهم أصحاب الدراجات ثلاثية العجلات، لم تعد كذلك.

وأفاد اجباري، وهو يتحدث لهسبريس، بأنه بدوره ورث هذه الحرفة عن والده، مؤكدا أنه يفكر في استبدال “الكروسة” بسيارة “هوندا” لمزاولة مهنته، لكن وضعه الاجتماعي لا يسعفه لاقتناء هذه العربة الآلية.

أما عبد الرزاق حبيب الله، الذي يمارس هذه المهنة منذ 14 سنة، فقال إن الفضل يعود في بناء أحياء منطقة بنسودة بمدينة لفاس إلى أصحاب “الكروسة” الذين كانوا يوفرون للبنائين الماء ومواد البناء المختلفة، مبرزا لهسبريس أن تفشي جائحة كورونا وعدم دعمهم بالأعلاف، فاقم معاناتهم أكثر.

“حرفة النقل بالعربات التي تجرها الدواب تتطلب الكثير من الخبرة أثناء استعمال الطريق وسط المدينة؛ فهي مثل سياقة السيارات وتفرض الدراية بقانون السير واحترامه”، يقول حبيب الله، مردفا أن جميع زملائه يتطلعون لتغيير “الكروسة” بوسيلة نقل حديثة.

hespress.com