بعد تجربة مهنية لأكثر من عقدين بفرنسا، اختار الطبيب المختص في جراحة العظام عبد العزيز القباقبي العودة إلى وطنه، حاملا معه بذور تجربة جديدة ومختلفة، بعدما قرر نقل زراعة الكمأ الأسود من فرنسا إلى المغرب.

بعد دراسته الطب بفرنسا وتخصصه في جراحة العظام، وخوض تجربة مهنية مهمة بشمال شرق فرنسا قبل الانتقال إلى الجنوب الغربي، إلى مدينة كاهو، المدينة السياحية المعروفة بإنتاج الكمأ الأسود، وهناك، ومن خلاله اتصاله المستمر بساكنة المنطقة بحكم عمله، تعرف القباقبي على هذا النوع الثمين من الفطريات.

وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، يوضح الطبيب المولع بالعمل في الزراعة، بحكم انتمائه إلى أسرة اشتغلت في الفلاحة أبا عن جد: “أثناء عملي كنت ألتقي بمواطنين فرنسيين يعملون في زراعة الكمأ الأسود، ومن خلال حديثي معهم تعلمت أشياء كثيرة عن طريقة الزراعة والإنتاج، وهي المعرفة التي تعمقت من خلال تواصلي مع خبراء وأكاديميين في المجال سهلوا علي أمورا كثيرة، لأطرح سؤال ما الذي يمنع من القيام بالشيء نفسه بالمغرب، لاسيما وأني وقفت على أن الخصائص الطبيعية ومميزات التربة متشابهة بين كاهو وبين منطقة دبدو بالجهة الشرقية للمملكة؟”.

ويضيف الطبيب: “الغيرة على الوطن والارتباط القوي به كانا دافعين لي لأسعى إلى نقل هذا المنتج إلى المغرب”، وزاد: “بعد نحو 25 سنة من الإقامة بفرنسا اخترت العودة إلى المغرب لخدمة بلادي”.

ورغم انشغالاته المهنية، عمل القباقبي بجد على إنجاز مشروع لزراعة الكمأ الأسود بمنطقة دبدو، قبل أن يكرر التجربة في فعاليات الدورة الثانية من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، حيث عرض تجربته الأولى في زراعة الكمأ.

وعن سر ولعه بالعمل في الزراعة، يقول القباقبي: “اهتمامي بالكمأ يعود لسنوات شبابي الأولى، حين كنت أحب الانضمام إلى جدي الذي كان يشتغل بالفلاحة رغم أن عمله الأصلي كان في مجال الأشغال العمومية، فأنا من أسرة تشتغل وتهتم بالفلاحة، لذلك احتفظت بارتباطي القوي بها، فأنا أحبها فعلا”.

الكمأ الأسود، الذي يعرف بالماس الأسود لسعره الباهظ، غير موجود في المغرب، وهو معروف بشكل خاص في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وعدد قليل من البلدان الأوروبية.

وبدعم ومساندة من عدد من الباحثين الفرنسيين والمعاهد المتخصصة، يستطرد القباقبي، “توصلت إلى كيفية إنتاجه وزراعته بالمغرب”، ويضيف في الحديث ذاته للوكالة: “عقب سنوات من البحث العلمي، اشتريت أشجارا وقررت المحاولة .. الجميع اعتبر أن الأمر غير ممكن، لكن في 2006 نجحنا في إنتاج أول حبة كمأ، واليوم المغرب من بين البلدان الخمسة الأولى المصدرة لهذا النوع من الكمأ، ولدينا 25 هكتارا في منطقة إيموزار كندر، ونأمل في مزيد من الدعم من الجهات المختصة لتطوير هذه التجربة، والوصول إلى زراعة الكمأ الأبيض الإيطالي الذي يضاعف سعره سعر الكمأ الفرنسي ثلاث مرات”.

غير أن المتحدث نبه إلى أن المغرب به أنواع من الكمأ تعرف باسم “الترفاس”، إذ إن هناك 15 نوعا تتوزع عبر مختلف مناطق المملكة وأشهرها ترفاس الجنوب، لكنها تبقى مختلفة عن الكمأ الإيطالي والفرنسي، مشددا على ضرورة التمييز بين كل تلك الأنواع، وهو ما يوضحه في كتابه الذي صدر في الموضوع.

ويحمل الكتاب عنوان “الكمأ بين فرنسا والمغرب”، ويعرض لأنواع الكمأ الموجودة بالمغرب، وسياقات نقل تجربة زراعة الكمأ الأسود الفرنسي إلى المملكة وتطويرها.

وعن الكتاب، يقول القباقبي، في حديثه للوكالة، إن هذا الإصدار “يطرح تقنية إنتاج الكمأ الأسود، والمسار الذي قطعته منذ عودتي إلى المغرب من أجل إنجاح تجربة زراعة هذا النوع من الفطريات داخل المملكة، وكذا الإقبال الذي لقيته التجربة على المستويين الوطني والدولي”، وأضاف أنه توخى كذلك التعريف بمختلف أنواع الكمأ (الترفاس) الموجودة في المغرب، ومناطق زراعتها، ودورة إنتاجها، وهي المعطيات التي ستفيد، برأيه، القراء والمهتمين في التمييز بين تلك الأنواع من جهة، وبينها وبين الكمأ الأسود الفرنسي من جهة ثانية.

وإضافة إلى طابعه التقني، يحمل الكتاب لمسة سيرة ذاتية لطبيب جراح اختار العودة لوطنه والاشتغال بزراعة الكمأ، لاسيما الفرنسي، المعروف عالميا باستعماله في أطباق من الطبخ الراقي؛

كما يعرض فيه لتجربة أخرى تخص زراعة الزعفران بمنطقة أوريكا، التي شكلت تجربة ناجحة، إذ يعتبر زعفران أوريكا حاليا من أجود الأنواع بالعالم، ويستخدم من قبل أشهر الدور العالمية في صناعة مواد التجميل.

ومن خلال تجربته هذه، يتطلع هذا الطبيب إلى المساهمة في إدخال زراعات جديدة تساعد على إضفاء قيمة مضافة عالية على المنتجات الفلاحية الوطنية، وجعلها قادرة على مواجهة المنافسة في الأسواق العالمية.

hespress.com