أعلن رئيس الحكومة المغربي سعد العثماني أنه أرسل تهنئة إلى حركة حماس بمناسبة ما سماها انتصار الشعب الفلسطيني والمقاومة على العدو الصهيوني، وذلك نيابة عن أعضاء حزبه وأنصاره.

السيد رئيس الحكومة، ألستم أنتم الذي وقع اتفاقية التطبيع مع دولة إسرائيل قبل أشهر قليلة؟ ألا تعلمون ماذا يعني ذلك التوقيع؟ لقد سبق لكم أن كنتم وزيرا للخارجية وكان من المفترض أن تتعلموا كثيرا من الأعراف الدبلوماسية وتفاصيل الالتزامات الدولية والقانون الدولي، خاصة القانون الدبلوماسي.

السيد رئيس الحكومة، إن المغاربة مازالوا لم يطلعوا بعد على تفاصيل الاتفاقية غير مشاهدتهم لكم أثناء وقوفكم إلى جانب ممثلي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ومسككم القلم لتوقعوا مع إسرائيل هذه الاتفاقية، لكن بلاغ الديوان الملكي أشار إلى ثلاث نقاط رئيسية تحويها تلك الاتفاقية، وهي كالتالي:

– استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية.

– التعاون الاقتصادي والثقافي بما يدعم الاستقرار في المنطقة.

– استقبال السياح الإسرائيليين والسماح لليهود المغاربة بزيارة إسرائيل.

من خلال هذه النقاط سنحاول تفسير العلاقة بين تحقيق هذه الأهداف الثلاثة المعلنة في بلاع الديوان الملكي وإعلانكم أنتم السيد رئيس الحكومة عن تهنئة حركة حماس بـ”انتصارها” على إسرائيل، وذلك بتناول كل هدف من الأهداف الثلاثة في فقرة خاصة على النحو التالي:

أولا: تفعيل الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية

يتبين من إقدامكم على هذه الخطوة أنكم خرقتم مبادئ وروح اتفاقية التطبيع التي وقعتموها بيدكم السيد رئيس الحكومة، وكان يفترض فيكم الالتزام بالحد الأدنى من الاحترام والتقدير لمواقف إسرائيل باعتبارها دولة صديقة كما تلزم بذلك الأعراف الدبلوماسية ومبادئ العلاقات الدولية، خاصة مقاصد الأمم المتحد التي نص عليها ميثاقها.

فالتعبير صراحة وبكل جرأة عن سعادتكم وانتشائكم بـ”انتصار” حركة حماس على إسرائيل مناف لما تفرضه الأعراف الدبلوماسية من جهة، وباعتباركم رجل دولة وقع بنفسه على اتفاقية التطبيع من جهة ثانية. فإذا كان يعني هذا شيئا فإنه يعني أنكم تمارسون النفاق السياسي والدبلوماسي في أبهى صوره، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تكون سياساتكم وقراراتكم منسجمة وتتحملون مسؤوليتكم فيها، يبدو من خلال موقفكم هذا أنكم غير ملتزمين باحترام إسرائيل باعتبارها دولة صديقة تجمعها بالمغرب عدد من المصالح الاستراتيجية، تلقون بها في المجهول، لطالما كافحت الدولة المغربية من أجل تحقيقها، خاصة الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وما صاحبه من انتصارات دبلوماسية وسياسية في مناطق وجوانب أخرى، فكيف يجرؤ من وقع اتفاقية صداقة واعتراف مع دولة أن يقوم في الآن نفسه بالتعبير عن قمه سعادته وانتشائه لانتصار طرف ما يعتبر عدوا لدودا لها يسعى بشكل مستمر لنزعها من الوجود؟ أليس هذا إخلال واضح بمسؤوليتكم السياسية والأخلاقية بل والقانونية؟

السيد رئيس الحكومة، لقد أسمعتمونا ملايين المرات أن اليهود ينقضون العهود، لكن هذه المرة من نقض العهد هو أنت وعشيرتك ولم نر أو نسمع بأن إسرائيل قد تحللت ولو من التزام واحد مما اتفقتم عليه، أليس هذا بنفاق دبلوماسي؟

ثانيا: بالنسبة للتعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي

السيد رئيس الحكومة، هل تعتقدون أن إسرائيل ستواصل التعاون الاقتصادي والتكنولوجي في ظل حكمكم؟ يبدو أن ذلك أضحى من المحال، اللهم إذا تدخلت المؤسسة الملكية للتغطية عليكم، وإذا ما افترضنا ذلك فهل سيبقى دوركم في الحكم هو تقويض الدبلوماسية المغربية وانتظار المؤسسة الملكية لإصلاح أخطائكم؟ إنكم تمارسون السيد رئيس الحكومة سلطة تنفيذية بموجب الدستور وعليكم تحمل مسؤوليتكم بالكامل أو الانسحاب وفسح المجال لمن يقدر على مثل هذه المسؤولية العظيمة.

ثالثا: بالنسبة لاستقبال الإسرائيليين والسماح لليهود المغاربة بزيارة إسرائيل

السيد رئيس الحكومة، ألا يشكل ذلك النوع من الخطاب الذي تطلقونه دعما للفلسطينيين على حساب الإسرائيليين إلى جانب شمتكم المتواصل فيهم نوعا من التحريض ودعوة للكراهية ضد اليهود والإسرائيليين بشكل عام؟ إنكم تقومون بخطوات لا تعرفون عقباها، ألا يمكن أن يشجع ذلك بعض الأشخاص أو الجماعات المتطرفة ببلادنا على الإقدام على الاعتداء على السياح الإسرائيليين بل وحتى على اليهود الذين لا يزالون يقطنون بالمغرب؟ كيف ستكون العلاقات المغربية الإسرائيلية إذا ما بدأ المتطرفون المغاربة بالاعتداء على الإسرائيليين؟ وهل تعرفون حجم المصالح المغربية المرتبطة باليهود؟

السيد الريس الحكومة، إنكم بخطوتكم هذه أنت وعشيرتك تمارسون النفاق السياسي والدبلوماسي، كان عليكم أن تمارسوا الوضوح أمام المغاربة إما بإقرار التطبيع والالتزام بمخرجاته، وهو ما يعني احترام دولة إسرائيل والتعامل معها وديا، وحل الخلافات معها بالطرق الدبلوماسية وفق ما تفرضه الشرعية الدولية دون المساس بالمصالح الاستراتيجية للبلاد التي تضمنها اتفاق التطبيع الذي وقعتم عليه بيدكم، أو الإعلان عن رفضكم لذلك صراحة.

ولم يشاهد المواطنون المغاربة أحدا قام بمسك يدكم للتوقيع، بل رآكم وأنتم إلى جانب ممثل دولة إسرائيل والسيد “جاريد كوشنير” جالسين مع بعضكم البعض على مائدة واحدة، ووقفتم برجليكم ووقعتم بيدكم، أكثر من هذا لم نسمع أنكم صرحتم بأن أحدا ما من داخل المغرب أو خارجه قد أرغمكم على ذلك التوقيع، بل خرجتم وقلتم إنكم وقعتم من أجل مصالح البلاد، وحتى لو افترضنا ضغطا معينا قد مورس عليكم وتخافون من التعبير عنه، فمن أرغمكم على البقاء هناك؟ لماذا لم تكونوا جريئين وتعلنوا عن استقالتكم تعبيرا عن رفضكم لتوقيع الاتفاقية؟ أم إن البقاء في الحكم مرغوب فيه وتحمل مسؤولية الدولة مرفوض؟ ألا يبعث هذا على كون سياستكم تنسجم مع المثل القائل “تأكلون الغلة وتسبون الملة”؟

ختاما، أقول لكم السيد رئيس الحكومة إنه لا يهمني إثارة الانتصار الفلسطيني من عدمه بقدر ما أريد إثارة بعض أخطائكم حتى تكونوا واضحين مع المغاربة، إنكم تمارسون النفاق السياسي والدبلوماسي، وهذا لا يليق بكم أنت وعشيرتك كمغاربة تؤطرهم مجموعة من القيم الوطنية والإنسانية، وبالأحرى مع قيم الإسلام الذي تظلون تؤكدون أنها مرجعتيكم، فلماذا لم تنضبطوا لا للقيم الوطنية ولا الإسلامية بتخليكم عن النفاق السياسي وتنسجمون في قراراتكم وخطابكم مع هذه القيم دون لف أو دوران؟

السيد رئيس الحكومة، انطلاقا مما سبق يحق لنا القول إنه إذا كان هناك شيء اسمه النفاق السياسي والدبلوماسي، فإن مواقف وسلوكيات رئيس الحكومة المغربية وعشيرته في حزبه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تمارسه بكامل صفاته وخصائصه.

طالب باحث

hespress.com