تسير الحكومة في طريق تكريس أولوية ربط المدرسة المغربية بسوق الشغل، كحلّ لتقليص نسبة البطالة في صفوف الشباب، التي تكشف معطيات المندوبية السامية للتخطيط أنها ترتفع في صفوف ذوي الشهادات العليا، بسبب عدم استجابة مؤهلات الخريجين لمتطلبات سوق الشغل.

هذا التوجه تأكد خلال مداخلات المسؤولين عن الشأن التربوي والتكويني في منتدى التوجيه التربوي المنظم من طرف الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط-سلا-القنيطرة، وجامعة محمد الخامس، حيث أكد سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية، أن النظام الجديد للتوجيه سيستهدف المتعلمين منذ التعليم الابتدائي.

وأضاف الوزير أن الغاية من استهداف التلاميذ منذ طور التعليم الابتدائي هي “اكتشاف المهَن بشكل مبكّر”، لافتا إلى أن هذه العملية ستتم من خلال إحداث مهمة “الأستاذ الرائد المشرف، الذي سيتولى مواكبة عملية التوجيه التربوي خلال الأنشطة الفصلية”.

التوجه الجديد للحكومة لربط المدرسة بسوق الشغل يأتي تفعيلا لتعليمات الملك محمد السادس، الذي سبق أن دعا في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى 20 غشت 2018 إلى إعطاء الأسبقية للتخصصات التي توفر الشغل، واعتماد نظام ناجع للتوجيه المبكر سنتين أو ثلاث سنوات قبل الباكالوريا، لمساعدة التلاميذ على اختيار الشعب الجامعية أو تخصصات التكوين المهني الملائمة لمؤهلاتهم وميولهم.

وتعمل الحكومة على إحداث نوع من التوازن بين توجهات الطلبة في مرحلة ما بعد الباكالوريا، حيث إن 75 في المائة من يختارون، حاليا، التعليم العالي، بينما لا تتعدى نسبة الذين يختارون التكوين المهني 25 في المائة، وذلك بهدف تفادي الاكتظاظ في الجامعة، وتوجيه الطلبة إلى الانخراط في منظومة التكوين المهني، حسب إفادات الوزير أمزازي، مشيرا إلى منظومة التوجيه الجديدة يدعمها الملك.

ويرتكز النظام الجديد للتوجيه التربوي، الذي تعتبره وزارة التربية الوطنية “عملية أساسية ومحورية في المسار التربوي للمتعلم”، على محورية المشروع الشخصي للمتعلم، ويأخذ بعين الاعتبار ميوله ويحدد جاذبيته بفضل تأطير الأساتذة ومواكبة مستشاري التوجيه التربوي والأسرة، التي أصبح لها دور مهم في توجيه التلميذ.

ويأتي تكثيف الاهتمام بالتوجيه التربوي باعتباره آلية تعوّل عليها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لإنجاح النظام البيداغوجي الجديد “الباكالوريوس”، الذي سيجري إحلالُه محل النظام المعمول به حاليا (الإجازة في ثلاث سنوات)، ابتداء من شهر شتنبر المقبل.

في هذا السياق قال إدريس أوعويشة، الوزير المنتدب المكلف بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، إن النظام الجديد للتوجيه التربوي، الذي سيتمّ عن طريق منصة رقمية ستعطى انطلاقتها بعد أيام، “سيسمح للطلاب الجدد بالاستفادة من تجارب الآخرين، وتجنُّب أخطاء الماضي والاستفادة من النجاحات المحققة”.

وأكد أوعويشة أن السنة الأولى في التعليم العالي تُعدّ مفصلية بالنسبة للطالب، “لأنها تعرف نسبة كبيرة من الفشل والهدر، وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى مواكبة التلميذ/الطالب لكي ينجح في هذه المرحلة الانتقالية الفاصلة”، مبرزا أن الهدف من نظام الباكالوريوس هو مساعدة الطالب في التكيف مع متطلبات المرحلة الجديدة، بما فيها التنمية الشخصية والمساعدة على النجاح في الدراسة وتطوير المهارات الشخصية والاجتماعية.

ويطغى هاجس جعل الطالب قابلا للاندماج في سوق الشغل بعد تخرجه في مرحلة التعليم العالي، وهو ما أكده محمد غاشي، رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط بقوله: “العرض البيداغوجي للجامعة في السنة المقبلة سيتميز بتكوينات جديدة في سلك البكالوريوس الذي سيعوض تدريجيا نظام الإجازة الأساسية الحالي، الذي يتوخى منه أساسا تحسين قابلية التشغيل، وهذه مسألة جد مهمة”.

وأردف غاشي بأن نظام البكالوريوس يهدف إلى تطوير روح التنافسية لدى الطالب عبر تمكينه من اللغات الأجنبية والكفايات الذاتية والحياتية وتنمية ثقافته العامة وصقل شخصيته بصفة عامة؛ إضافة إلى تحسين حركيته الدولية من خلال الانفتاح على العالم والانفتاح على النماذج الدولية.

من جهته قال محمد أضرضور، رئيس الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط-سلا-القنيطرة، إنّ إطلاق نظام جديد للتوجيه التربوي يأتي في ظل التطورات والتغيرات التي أفرزتها جائحة فيروس كورونا على مختلف الأصعدة والمستويات، والتي تؤشر على بروز نماذج جديدة من التعليم والعمل.

وأردف المتحدث ذاته بأن تجسيد الإصلاح التربوي الذي جاء به القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين “يتطلب إعطاء نفَس جديد لمنظومة الإعلام والتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، بأهداف ومقاربات وبيانات ومساطر ومواعيد في أفق إقدار التلاميذ على تدبير مشاريعهم الشخصية إعدادا وتنزيلا وتحقيقا، من أجل الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

hespress.com