الأربعاء 26 ماي 2021 – 04:49
نشر المعطي منجب تدوينة فيسبوكية أراد لها أن تتطبع إعلاميا بطابع “المناجاة”، وأن تتدثر مجازا بتراتيل الممات وترانيم العزاء، في محاولة مكشوفة ومجهضة منه للظهور أمام رواد الشبكات التواصلية بمظهر الشخص الحريص على حياة سليمان الريسوني والخائف على سلامته، والذي لا يماري في التوسل إليه لتعليق إضرابه عن الطعام، بدعوى أن حياته “ملك مشترك لعموم المناضلين الافتراضيين في فضاء الفيسبوك”.
فقد زعم المعطي منجب في تدوينة المناجاة المفترضة أن “قلبه ينفطر حزنا ويعتصر خوفا على سليمان الريسوني”، مناجيا إياه في موقع الفيسبوك، رغم أنه يعلم جيدا أن السجين المناجى يوجد حاليا خارج التغطية الفيسبوكية في ملاذه بالسجن! ومع ذلك حرص على أن يطالبه في ظهر الغيب بأن “يضع حدا للإضراب عن الطعام، لأنه يفتك بصحته وقد يقتله”، قبل أن يترجاه افتراضيا “بأن لا يغادر وأن لا يترجل من صهوة النضال وأن لا يقضي حيث يقضي كل الأنام”.
لكن اللافت هو أن المعطي منجب ربما نسي في غمرة الحديث عن سكرات الموت المزعوم أن أرشيف فيسبوك يحفظ له “براءة الاختراع” و”شهادة العلامة التجارية” الخاصة بالإضراب عن الطعام كوسيلة للتهرب من المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة. ألم يكن المعطي منجب هو أول من أرسى هذه الآلية الاستعراضية كوسيلة للتأثير على القضاء والتنصل من كل الملاحقات القضائية السابقة في حقه؟ ألم يشهر المعطي منجب هذه “الفزاعة” في جميع محطات خلافه مع قانون الأموال وجرائم الفساد المالي؟
وهل نسي أو ربما تناسى المعطي منجب أنه كان من بين “المغررين” الذين حرضوا سليمان الريسوني على الدخول في الإضراب عن الطعام وأوعزوا له بذلك؟! ألم يكتب رسالة موقعة في 9 أبريل 2021 يستعرض فيها “النصائح والممارسات الفضلى لإنجاح استعراضات الإضراب عن الطعام”؟ أليس هو من خاطب سليمان الريسوني قائلا “إني أنصحك بشرب الكثير من الماء، أي حوالي ليترين ونصف كل يوم والمشي، ما دمت تستطيع ذلك، بساحة الفسحة بالسجن وكذلك بالزنزانة، وبالكتابة وقراءة الروايات والأدب الإنساني الخالد وبالتفكير في حياة ومبادرات عظماء وطننا الذين ناهضوا الطغيان والاستعمار أو ظلم ذوي القربى من الأقوياء”.
فهذه الرسالة تؤكد أن المعطي منجب هو من حرض منذ البداية سليمان الريسوني على الدخول في الإضراب عن الطعام، وهو من قدم له القواعد النموذجية الدنيا للتعاطي مع الصيام الطوعي في المؤسسات العقابية والإصلاحية. واليوم ها هو يكتب تدوينة يناجي فيها موت سليمان الريسوني وكأنه يستجدي قدره ويستعجل وفاته! فهل حان موسم حصاد أرواح المضربين عن الطعام كما كان يأمل المعطي منجب لإذكاء جذوة النضال الفيسبوكي؟ وهل يراهن المعطي منجب على موت سليمان الريسوني للتأكيد على جودة “علامته التجارية” التي باعها بسخاء عارم لسجناء الحق العام؟
فالثابت اليوم، على الأقل في الشبكات الاجتماعية ووسائط التواصل الجماهيري، هو أن المعطي منجب كان أول من ابتدع الإضراب عن الطعام للتنصل من جرائم الحق العام، بل هو من اختلق الطرق المثلى للتعايش والتأقلم مع الجوع والعطش داخل السجون. ألم يكن هو صاحب فكرة الاستعاضة عن الأكل والشرب باحتساء المربى والقشدة والعسل المقتنى من مقتصدية السجن؟ فلماذا يرتل اليوم ترانيم الموت على روح سليمان الريسوني؟ فهل يريد قتل سليمان الريسوني ليتسنى له النواح بعده؟ إعمالا بفحوى المثل الشعبي القائل “كيقتل الميت ويمشي في جنازته”؟
مؤسف حقا أن يتأسى سليمان الريسوني بالمعطي منجب ويهتدي ببراءة اختراعه للدخول في متاهات الإضراب عن الطعام، ومؤسف حقا كذلك أن يعمل بنصيحته في كيفية التأقلم والتكيف مع أعراض الصوم الطوعي داخل السجون. ولكن مَبْلَغ الأسف وأقصاه هو أن المعطي منجب إنما كان يصوم عن الأكل دون العسل والمربى والقشدة الطرية في محاولة مستميتة لشرعنة واستحلال عائدات تبييض الأموال المتأتية من هولندا وأمريكا وغيرهما، أما سليمان الريسوني فإنه يصوم قسرا ليتنصل من مسؤولية “قلمه الجامح” الذي هتك به عرض الشاب آدم. أما قلمه الرصاص أو الحبر الجاف فإنهما أبرياء من مسؤولية اعتقاله، كما تبرأ قبل ذلك الذئب من دم النبي يوسف.