"السبليون"

ابراهيم أقنسوسالأحد 30 ماي 2021 – 21:07

يحتاج الإسبان اليوم، إلى قراءة هادئة، في علاقتهم بنا وفي علاقتنا بهم، بعيدا عن أية منغصات أو عصبيات غير منتجة.

يقول الأستاذ عبد الله العروي في مذكراته (خواطر الصباح)، (عدو رجل السياسة، هو المؤرخ، لأنه يذكر ويتذكر)، وعلاقتنا بالإسبان من هذا اللون الذي يلعب فيه التاريخ المشترك، دورا حاسما، لا يمكن القفز عليه أو تناسيه، فالتاريخ والجغرافيا واقع لا يرتفع. إسبانيا هي جارتنا الأوروبية الأقرب إلينا، والتي استعمرتنا في يوم من الأيام، ورمتنا بالأسلحة الكيماوية، ذات صباح، وتاريخنا يشهد من جهة أخرى أن الإسبان كانوا يأتون إلينا في زمن ليس بالبعيد، مهاجرين فقراء يطلبون الخبز والمأوى في ديارنا، ولاجئين هاربين من ديكتاتورية فرانكو، يلتمسون الأمن والسلام، والكثيرون منهم ظلوا معنا واستأنسوا بطبائعنا، ومنهم كتاب كبار اتخذوا من بلادنا ملاذا للتأمل والكتابة، وقام كتابنا بترجمة الكثير من أعمالهم الرائدة إلينا، فهل يمكن القفز في وجه التاريخ والجغرافيا ضربة واحدة؟؟.

بعض السياسيين يضيعون وقت البلدين في متاهات ومسارات لا معنى لها، ويثيرون عصبيات لا تفيد، فالأمر يتعلق بجارين متقابلين تحكمهما حقائق الجغرافيا، ويجمعهما الكثير من التاريخ، وفي يوم من الأيام كانا بلدا واحدا، قبلنا بذلك أم لم نقبل.

يشكل (الإسبان) جزءا من المخيال المغربي تماما كما يشكل المغربي جزءا من المخيال الإسباني، أحببنا ذلك أم كرهناه، فالمغاربة يرددون كلمة (السبليون) ويفهمونها جيدا، على نحو ما، كبارهم يسترجعون بعض مآسي التاريخ، ويتحسرون لما حدث، وشبابهم يتابعون (الكلاسيكو)، ويمنون النفس بالهجرة إلى ديار الإسبان للعمل ولمشاهدة لاعبي (البارصا والريال) عيانا، على ملعب (الكامب نو)، وفي المقابل، يتحدث الإسبان عن (المورو) ويفهمونها هم أيضا على نحو ما. لا يمكن القفز على التاريخ في بعده الاجتماعي وامتداده الواقعي، ونحن نناقش الخلاف الذي نجم عن استقبال زعيم (البوليساريو) على أرض الإسبان.

السياسيون الكبار يدارون المآسي، ويعالجون أخطاء التاريخ بعقلانية ومسؤولية وببعد نظر استراتيجي، والسياسيون الصغار يصنعون المفرقعات ويوقظون المواجع القديمة، ويضيعون أوقات الشعوب في التفاهات. على الإسبان أو (السبليون)، بلغتنا التي نحب، أن يساعدونا على نسيان مآسي التاريخ وأن يفكروا معنا جديا، في تحصين حدودنا، كل حدودنا، وأن يعملوا معنا كما نعمل معهم، على استعادة أراضينا، كل أراضينا، حتى وبعضها عندهم اليوم.

hespress.com