هو روائي ومؤرخ وموسيقي فرنسي عربي. وُلد في مصر عام 1947 وعاش فيها طفولته وجزءا من شبابه، كما عاش في لبنان ثلاث سنوات. كتب كلمات أغاني عدد من المشاهير، منهم داليدا التي كتب لها أغنية “حلوة يا بلدي”. ألَّف 35 رواية، معظمها تاريخية وبعضها بوليسي. يهوى الموسيقى وعزف القيثارة. عشقه للسفر في التاريخ جعله يغوص فيه لاستكشاف عوالمه وأعلامه. فكتب عن ابن سينا وابن رشد وسقوط غرناطة والفراعنة والإغريق والفرس والأتراك والأوروبيين واللاتين والقدس ويسوع وغاندي وعبد الناصر وزايد.
إنه الكاتب جيلبير سينويه، الذي تحولت بعض رواياته إلى أفلام ومسلسلات وترجمت بعض أعماله إلى نحو 15 لغة ونالت جوائز مهمة.
تتميز رواياته بعناوينها الشاعرية رغم طابعها التأريخي. ركز في معظمها على الشرق لكنه يرفض تصنيفه مستشرقا.
من أبرز كتاباته، ثلاثية “إن شاء الله” التي يحكي فيها تاريخ العالم الإسلامي من سقوط الإمبراطورية العثمانية إلى انهيار برجي مركز التجارة العالمي عام 2001. “الصقر” هي آخر رواية أصدرها. يتناول فيها شخصية مؤسس الإمارات الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان.
التقيناه في ندوة نظمتها الرابطة الفرنسية في أبوظبي على هامش مشاركته في الدورة الثلاثين لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وخصنا بحوار باح لنا فيه عن أعماله المقبلة ورأيه في عدد من القضايا.
فبعد رواية “الصقر”، سيصدر له في 4 يونيو المقبل الجزء الأول من روايته الأولى عن المغرب بعنوان “جزيرة المغرب”.
يحتفي سينويه في آخر أعماله “الصقر” بصفة البداوة التي تميز بها زايد، وينتقد بشدة الوزير اللبناني المستقيل شربل وهبة الذي استعمل كلمة “بدو” مؤخراً بشكل قدحي لوصف بعض أهل الخليج؛ إذ يصفه سينويه بأنه غبي وجاهل ويتعين عليه معاودة تعلم معاني الألفاظ والمصطلحات، فالشيخ زايد كان بدوياً فخوراً ببداوته ولم يكن من الإسكيمو.
لا يؤمن سينويه بشيء اسمه الإلهام، ويعتبر الكاتب ألبير كامي أكثر من أثّر فيه. وحول الحياة خلال فترة كورونا، يقول سينويه إنه استمتع بفترة الإغلاق الأول بفرنسا وتحولت الدنيا في عينيه إلى جنة على الأرض لكنها ذكرته أيضاً بمدى ضعفنا وهشاشتنا.
سألناه عن المغنية التي يتمنى لو كتب كلمات إحدى أغانيها، فقال دون تردد “فيروز”. أخبرنا أيضاً أن رواية “الصقر” يمكن أن تتحول يوماً ما إلى فيلم، لكن يجب انتقاء بطلها بعناية ليتقن أداء دور زايد.
فيما يلي نص الحوار:
هل استعنتم في روايتكم الأخيرة “الصقر” بما راكمتموه طوال العقود الثلاثة الماضية في كتاباتكم عن أعلام مثل جمال عبد الناصر وغاندي؟
في الواقع كل كتاب هو عمل مختلف. فالأمر شبيه بما يفعله الموسيقي. فالعازف الموسيقي يعزف قطعاً مختلفة ولكن ليس بالطريقة نفسها. فهو موسيقي وأنا كاتب. لا أستعمل تجربتي السابقة لتأليف كتاب جديد كل مرة، لكن تجربتي تخدمني بشكل ما في تصور رواية وبناء معمارها. فكل كتاب يبقى مختلفاً ويمثل تجربة فريدة، لكن بما أنني كتبت نحو ثلاثين رواية، فأنا أعرف صنعة كتابة الرواية.
الفنانون الذين كتبت أغانيهم، مثل داليدا وكلود فرانسوا وغيرهما، معروفون في الساحة الفنية العالمية، لكنك غير معروف ككاتب أغاني لقيت صدى عالميا. ما سبب ذلك؟
هذا كان قبل 35 سنة. كتّاب كلمات الأغاني عموماً لا يعرفون إلا نادرا. فالجميع يعرف المغني والمغنية. عندما كتبت كلمات أغاني لداليدا، عُرِفتْ بأنها أغاني داليدا ولا أحد كان يبحث في شريط أغانيها ليعرف كاتب الكلمات، فنادراً جداً ما يهتم الجمهور بكُتاب كلمات الأغاني.
لذلك فاسمي لا يستحضره جمهور داليدا رغم أنني كتبت كلمات أغنية تُرجِمت إلى العربية وصارت تردد في كل بلدان العالم العربي مثل “حلوة يا بلدي”، فهذه الأغنية كانت في البداية أغنية فرنسية ثم تُرجِمت إلى العربية. أحياناً، تشتهر رواية أو عمل أدبي معين دون تذكر اسم كاتبها. فقد تجد كثيراً من الناس يخبرونك بأنهم قرؤوا كتاباً رائعاً وينسون اسم كاتبه. وفي الأغاني تحديداً، من الصعب جداً معرفة من كتب ماذا.
إذا سألناك عن مغن أو مغنية في العالم العربي تتمنى أن تكتب له أغان، من تختار؟
فيروز كانت مغنيتي المفضلة. في الوقت الراهن، أعترف بأنني لست ملماً جيداً بالأسماء الموجودة. سمعت صوتين أو ثلاثة أصوات نالت إعجابي، لكنني نسيت أسماء أصحابها. هناك مغنية لبنانية لا أستحضر اسمها كانت قد غنت بالعربي والفرنسي “آفي ماريا/ترنيمة العذراء” للموسيقار النمساوي فرانز شوبرت. في زمني، كنت أحب أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
بعض النقاد يعتبرونك من المستشرقين لأن الغالبية العظمى من كتاباتك كانت عن الشرق. هل تعتبر نفسك كذلك؟
كلا. لا أعتبر نفسي مستشرقاً. أرفض أن يتم تصنيفي في خانة ما. قد ينطبق ذلك على الفنانين التشكيليين، لكن ليس على الكتاب. أنا كاتب من أصول عربية. فأنا وُلدت في مصر ونشأت في بلد مسلم وتشربت الثقافة العربية وكتبت عنها، لكنني كتبت أيضاً عن إسبانيا واسكتلندا والأرجنتين.
صحيح أنني ألفت كتباً كثيرة عن الشرق الأوسط، لكن إذا اطلعت على قائمة أعمالي، ستجد عناوين عدة عن الشرق الأوسط وكذلك عن مناطق أخرى من العالم، ولذلك لا أحب أن يتم تصنيفي في خانة معينة.
في روايتكم “الصقر”، أنتم تحتفون بصفة البداوة وتحتفلون بها. مؤخراً، اعتبر وزير خارجية لبناني في برنامج حواري تلفزيوني أن “البدو” هي صفة قدحية في حق بعض أهل الخليج. ما تعليقكم؟
أنا لا أعرف هذا الوزير. لكنه شخص غبي، فكيف يمكن أن نعتبر البداوة شتيمة في حين إن الجميع له أصل بدوي بالمعنى التاريخي.
الإمارات العربية المتحدة بناها وصنعها بفخر البدو. فالشيخ زايد لم يكن من الإسكيمو ولم يكن إنجليزياً ولكنه كان من البدو. لذلك من يعتبر البداوة صفة قدحية ينكر تماماً حضارة الإمارات وحضارة المملكة العربية السعودية. ما قاله هذا الوزير سخيف جداً وعليه أن يعيد تعلم ما يعرفه من ألفاظ ومصطلحات لتصحيحها.
العناوين التي تختارها تثير فضول القارئ من الوهلة الأولى. هل تتعمد جعل العناوين مثيرة لاهتمام القارئ عبر إضفاء طابع جذاب ما عليها؟
بصراحة لا. عادةً ما يحضرني عنوان العمل موازاةً مع فكرة الرواية. وفي رواية “الصقر” حول الشيخ زايد، لم يكن لدي عنوان محدد. وعندما أتممت كتابة الرواية، قلت مع نفسي إن أنسب عنوان عن الشيخ زايد هو “الصقر” لأنه كان شغوفاً بالصيد بالصقور. لذلك كان طبيعياً أن أختار الصقر عنواناً لكتابي. لكن هناك روايات أخرى كنت قد اخترت عناوينها قبل بدء كتابة نص الرواية. في الغالب، أضع العنوان بعد إكمال كتابة الرواية، لكن أحياناً أختار العنوان في البداية.
السيد سينويه يكتب منذ أكثر من ثلاثة عقود رواية كل عام. كيف تقسمون وقتكم بين القراءة والكتابة؟
أولاً، أنا لا أفعل شيئاً غير الكتابة. فأنا أبدأ في 7 صباحاً وآخذ استراحةً منتصف اليوم في 12 أو 12:30 لتناول طعام ما وأخذ قيلولة مدة ربع ساعة إلى 20 دقيق، وأعتبرها ضرورية بالمناسبة، ثم أستأنف الكتابة من الساعة الثانية إلى السادسة والنصف مساءً.
هل تشعرون بالإلهام كل يوم للكتابة؟
لا أعرف شيئاً اسمه الإلهام. الإلهام بالنسبة لي هو كلمة ندعيها وهي من ابتكار الشعراء. فالإلهام هو حيازة فكرة كتابة رواية. عندما أفكر في روايتي المقبلة، الإلهام بالنسبة لي هو عندما أجد فكرة الرواية. لكنني لا أومن بالإلهام خلال عملية الكتابة. فلا أعتقد أن الكاتب يأخذ ورقة وينتظر زقزقة الطيور وشروق الشمس فجأة ليشعر بالإلهام ويبدأ بالكتابة. وإذا كنتُ ممن ينتظرون الإلهام ليكتبوا، ما كنتُ استطعتُ كتابة 35 رواية. أنا أكتب الروايات منذ 34 سنة، وهو عمل لا يتوقف طوال أيام الأسبوع ورأس السنة. بل إنني أشعر بالملل خلال العطل. هذا العمل المستمر هو مصدر زرقي الأول ويتيح لي التمتع بالحياة. الأمر بالنسبة لي شبيه بركوب دراجة هوائية ستجعلك تسقط إذا توقفت عن إدارة عجلتيها.
ما هي روايتك المقبلة؟
روايتي المقبلة أنهيت كتابتها مسبقاً وستصدر بتاريخ 4 يونيو، وهي مكونة من جزأين. هي عمل كبير عن المغرب. عنوان هذه الرواية “جزيرة المغرب”. وهي تروي تاريخ المغرب على مر القرون، بدءاً من “الغزو” العربي سنة 1440 إلى استقلال المغرب. وسيكون هذا أول عمل لي عن المغرب.
ألا تخططون لتأليف عمل يؤرخ لفترة جائحة كورونا التي نعيشها؟
لا. أتمنى أن تنقضي هذه الجائحة وتصبح مجرد ذكرى سيئة. فهي جائحة طبيعية مأساوية. آمل أن تجعلنا مثل هذه الجوائح ندرك مدى ضعفنا نحن البشر ومدى هشاشة حياتنا. فقد وصلنا مرحلة نتعجل فيها كل شيء ونتطلع لتنفيذ كل شيء بوتيرة سريعة. فخلال السنوات الأخيرة، أصبحنا نعيش نوعاً من التعجل الهستيري ونسينا أننا لا شيء في هذا الكون. فنحن بمثابة حبة رمل. هذا النوع من الجوائح عليه أن يجعلنا ننتبه أكثر في تعاملنا مع الطبيعة وفي حياتنا الخاصة ونقر بأننا ضعاف وأن الطبيعة يمكنها تدميرنا تماماً لو ثارت علينا. لذلك أعتبر جائحة كورونا درساً ينبغي الاستفادة منه. في فرنسا، عشنا الإغلاق الأول الذي دام بين شهر وشهرين، وقد أعجبني كثيراً! راقني لأنه جعل الشوارع خالية من الازدحام المروري ومن الضجيج ومن التلوث، وكأن عجلة العالم توقفت عن الدوران. كان المرء يخرج ليتمشى بأريحية ومتعة. كانت فترة الإغلاق بالنسبة لي جنة على الأرض، لكن الأمر أصبح مزعجاً بعد أن طال الإغلاق.
من هو كاتبك المفضل؟
في الواقع، لا يمكنني القول إن هناك كاتباً واحداً يروقني. فعندما أسألك عن فيلمك المفضل، لا يمكنك استحضار فيلم واحد فحسب. الأمر ليس بهذه السهولة. يعجبني لورانس العرب ورواية “كازابلانكا”. هناك كُتاب أثروا في وأدهشوني مثل الروائي والمسرحي الفرنسي ألكسندر ديما صاحب رواية “الفرسان الثلاثة”. أحببت أيضاً في صغري الشاعر والكاتب الروائي والمسرحي جيل فيرن، وفي وقت لاحق أحببت أعمال الكاتب والمؤرخ شاتوبريون. لكن الذي أثر في أكثر هو الكاتب الصحفي والفيلسوف الفرنسي ألبير كامي.