بين أزمنة مختلفة من القرن الماضي، جالت عدسات كاميرا المخرج محمد عبد الرحمان التازي بين دروب المدينة العتيقة للعاصمة العلمية فاس لتبعث من جديد روح عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي بعد ست سنوات من رحيلها.

“فاطمة.. السلطانة غير المنسية”، الشريط السينمائي الذي تنقل هسبريس كواليسه حصريا عبر برنامج “HESCLAP”، يسلط الضوء على إسهامات عالمة الاجتماع المغربية، ومقاربتها لمكانة المرأة ووظيفتها من خلال نقد الأدبيات الفقهية وتوظيف أبحاثها الفكرية والاجتماعية لخدمة قضية تحرير المرأة.

الفيلم الذي تم تصويره جزء من أحداثه بين مدينتي فاس وزاكورة، يوثق الأعمال التي قامت بها الكاتبة والباحثة الاجتماعية، لا سيما أن التازي يسعى إلى البحث في التراث والشخصيات المغربية، سواء في الميدان السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي.

وقال مخرج العمل في حديث للبرنامج الفنّي “HESCLAP” إن “الشريط نظرة شخصية لما يقارب خمسين سنة من حياة المرنيسي، منذ الطفولة والشباب إلى حصولها على الدكتوراه وعودتها من الولايات المتحدة الأمريكية”.

وأضاف أنه يقدم في هذا الشريط “فاطمة كما أعرفها، بالنظر إلى صلة القرابة التي تجمعنا. وفي هذه الحالة بالذات، قد أكون في الفيلم شاهدا وأحيانا مراقبا وممثلا أيضا”.

ورغم مرور ست سنوات على وفاتها، يتابع المخرج المغربي: “تظل صورة المرنيسي راسخة في ذهن كثير من المغاربة الذين تعرفوا عليها من خلال الكلية أو الأصدقاء، لذلك كان من الصعب اختيار الممثلة التي تتطابق مواصفاتها مع الراحلة المرنيسي في إتقان اللهجة الفاسية، والحديث بصوت منخفض، وبطء في الحركات. ووقع الاختيار في النهاية على الممثلة مريم الزعيمي، التي أبهرتني بمستوى تعاملها مع الشخصية وإتقان الدور”.

خبير الماكياج الزبير ناش أوضح أن التحضير لشخصية فاطمة المرنيسي على مستوى الماكياج تطلب سنة ونيف من العمل لمواكبة الشخصية في فئات عمرية مختلفة، من الشباب إلى الشيخوخة والوفاة، دون تغيير الممثلة، وقال: “لقد تمّ تصميم شعر مستعار خاص بالشخصية. وعلى مستوى الماكياج، تمّ دمج العديد من المكونات لإظهار التقدم في السن دون إبراز واضح للتجاعيد، وهذا أمر صعب”.

ويضم الشريط السينمائي، إلى جانب مريم الزعيمي التي تجسد شخصية الراحلة فاطمة المرنيسي، أجيالا مختلفة من الممثلين، لا سيما أنه يتناول جوانب متعددة من حياة العالمة المغربية، ويسلط الضوء على هذه الشخصية العلمية التي بصمت الساحة الثقافية المغربية والعربية بأعمال قيمة. وكشف المخرج أنّ كتابة هذا العمل تطلبت سنة ونيف.

واهتمت كتابات فاطمة المرنيسي بالإسلام والمرأة وحقوق النساء؛ إذ تصدت بجرأة للقضايا الفكرية والسوسيولوجية المتصلة بهذه المواضيع، وعملت باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس بالرباط)، وكانت عضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة.

واستطاعت الراحلة معالجة مشكلة المرأة بجرأة العالمة الصبورة؛ إذ وقفت بشجاعة في وجه حجاب العقل، واعتمدت آراء وأفكارا وتغييرات واستنتاجات قائمة على المصادر التراثية وعلى الأطروحات العلمية، وهو ما جعل منها كاتبة متميزة ومتفردة تطرح آراء فكرية مختلفة ومغايرة أثارت وما تزال جدلا ونقاشا حادين داخل الأوساط العربية والدولية على السواء.

hespress.com